رغم تعدد الأسباب المؤدية إلى الاكتئاب لدى كبار السن، فإن أغلب أسبابه تكون مرتبطة بمرض جسدي، وذلك إما بسبب ما تسببه الأمراض من آلام، أو لما للأمراض من تأثيرات في الحالة النفسية .
كما أن هناك بعض العوامل المعروف عنها بأنها تساعد على الإصابة به، كالدخول في فترة التقاعد التي تحمل معها الكثير من المشاعر المتداخلة، والتي تجعل الكثير من كبار السن يجدون صعوبة في قبول التغييرات والتكيف معها، فتؤدي بهم إلى الإصابة بالاكتئاب .
قد تتدخل عوامل أخرى كالعوامل الوراثية، فسيولوجية (العجز، انخفاض في القدرة المعرفية) أو العلاقات الاجتماعية المحيطة بهم، مثل وفاة شخص قريب، فقدان الاستقلالية، مشاكل مالية، الانتقال إلى دار رعاية المسنين، وغيرها من العوامل .
وكشفت دراسة حديثة أن الجدات اللواتي توكل إليهن مهمة الاعتناء بأحفادهن بشكل دائم، ولا يقمن بأي عمل آخر، معرضات للإصابة بالاكتئاب، وشملت الدراسة 240 جدة، امتدت على مدار ست سنوات ونصف السنة لرؤية مدى تأثير رعايتهن لأحفادهن في صحتهن، في حين وجدت أيضاً أن تلك الجدات كن أكثر انفتاحا على أشكال المساعدة للتخلص من الاكتئاب .
وبالرغم من التوقع بأن تكون لدى الجدات اللواتي يربين أحفادهن أعراض اكتئاب أكبر، فإن الباحثين فوجئوا بمدى استمرار هذه الأعراض وتزايدها طوال سنوات البحث، لكن الدراسة بينت أيضاً أن الجدات كن أكثر انفتاحاً على أشكال المساعدة للتخلص من الاكتئاب، ما يعني أنهن لا يمانعن من الحصول على تدريب يخفف عنهن أعراض الاكتئاب .
المزاج والوجدان
تعقيباً على نتائج الدراسة قال الدكتور رعد الخياط استشاري الطب النفسي وعضو الكلية الملكية البريطانية للطب النفسي: إن الدراسة بربطها بين الجدات اللواتي توكل إليهن مهمة الاعتناء بأحفادهن بشكل دائم ولا يقمن بأي عمل آخر وبين إصابتهن بالاكتئاب، وحصول ذلك دون العوامل الأخرى التي تسهم بشكل أو بآخر في الإصابة بالاكتئاب، يدل على قوة العامل وهو تحمل مسؤولية الاعتناء بالأحفاد الذي يعتبر إحدى المسؤوليات الثقيلة لدى معظم كبار السن، وقد يؤدي إلى حدوث اكتئاب، وكما هو معلوم فان أسباب الاكتئاب متنوعة ومتعددة .
وأضاف: إن النساء عندما يتقدمن في العمر فإنهن يكن بأمسّ الحاجة إلى من يرعاهن ويكرمهن ويعتني بهن، ويتحمل عنهن الكثير من المسؤوليات والالتزامات ويخفف عنهن الكثير من الأعباء، لذلك فإن إسناد مسؤولية الاعتناء بالأحفاد بشكل دائم ومستمر إليهن يعتبر عبئاً عليهن، كما أن الأطفال يكونون في أمسّ الحاجة إلى من ينزل إلى مستواهم ويلبي حاجاتهم الأساسية، ويتحمل ما يبدر منهم من تصرفات طفولية أو صبيانية لا يحسبون لها ولنتائجها حساباً .
وأشار إلى أن الأطفال في هذا العمر يحتاجون إلى من يعلمهم مبادئ تقويم السلوك وحسن التصرف أو استعمال اللعب كأسلوب من أساليب التربية، وذلك ما يجعل الجدات يتحملن ذلك ويصبرن عليه، إلا أنه إذا استمر لفترات طويلة من الزمن، فلابد أن يتعبهن ويثقل كاهلهن، فإذا اجتمع مع عوامل أخرى مؤثرة كالعامل الوراثي، إضافة إلى ما تراكم من تجارب وخبرات صعبة سابقة عبر السنين، فلابد أن تلتقي وتجتمع لتؤثر وتؤدي إلى الاكتئاب كاضطراب المزاج والوجدان .
عدم الكفاءة
وأكد الدكتور رعد أن لكل مرحلة من مراحل الطفولة والنمو، مواصفاتها واحتياجاتها الخاصة بها، وجميعها بحاجة إلى فهم واستيعاب وإشباع وبالطريقة المناسبة لها، وهو ما يكلف وقتاً وجهداً كبيرين، كما أن ذلك سيعيد الى الجدات تجربة اختبرنها في مقتبل العمر وكن حينها في قمة النشاط والحيوية والإقبال على الحياة، أما الآن فلسن بالدرجة نفسها من الرغبة والاندفاع، مما يولد لديهن شعوراً مزعجاً بعدم الكفاءة اللازمة ليؤدين الدور السابق نفسه، للوصول إلى النتائج نفسها التي كن يطمحن لها . ولفت إلى ضرورة عدم نسيان الأمراض العضوية والجسمية المزمنة التي تصيب كبار السن وتؤثر في كفاءتهن وقدراتهن، إضافة إلى تأثير الأدوية التي تستعمل لعلاج تلك الأمراض، والتي قد يحتاج استعمالها لسنين طويلة ولا تخلو من بعض التأثيرات الجانبية، ومن ضمنها التأثير النفسي والذهني .
الجهاز العصبي
وقال الدكتور محمد حمدي أستاذ مساعد وأخصائي الأعصاب بمستشفى كلية الخليج الطبية: إن المهن التي بها استخدام للمهارات الذهنية مثل المحاسبة والقانون وغيرها تقل معها حالات الاكتئاب، وكلما استخدم الإنسان عقله قلت الأمراض لديه، كما أن الجهاز العصبي مثله مثل بقيه أجهزة الجسم يتغير مع تقدم العمر، وذلك من خلال حدوث ضمور في الفص الأمامي مع تغيرات في بعض المواد مثل الدوبامين والادرنالين وبالتالي يؤدي إلى ازدياد نسبة الاكتئاب، إضافة إلى الوحدة التي يعانيها كبار السن .
وأضاف: هناك بعض الأعراض العصبية التي قد تظهر لدى كبار السن نتيجة تعاملهم مع أحفادهم، كالنسيان المتكرر وسرعة الغضب وهي من أشهر الأعراض، مما يدل على العلاقة المهمة بين التوتر النفسي والمشاعر السلبية القلق والاكتئاب، فالعلاقة بين الأحفاد قد ينتج عنها بعض التوتر نظراً لحركتهم الزائدة وطلباتهم التي لا تنتهي،والاعتناء بهم يتطلب جهداً وطاقة كبيرة قد لا تتحملها الجدات .
أسبابه وأعراضه
وأكد الدكتور علي الحرجان أخصائي علم نفس أن الاكتئاب لدى كبار السن في تزايد مستمر خاصة في السنوات الأخيرة، حيث تشير الدراسات الأجنبية الى أن أكثر من 30% من كبار السن يعانون الاكتئاب، وذلك بسبب ازدياد معدل وتيرة الحياة في السنوات الأخيرة من 60 إلى 80%، مما ترتب عليها مشاكل صحية نفسية، كالإنعزال، ضعف النظر، ضعف الكفاءة الجسدية، حيث تجبرهم الحال الجسدية على الجلوس في البيت، وهذا يجعلهم يعانون الاضطرابات النفسية، ولا يستطيعون الخروج وتنشيط علاقاتهم الاجتماعية .
وعن أسباب اكتئاب كبار السن قال: من المعروف لدى كبار السن كثرة الأمراض وخاصة أمراض القلب، وتصلب الشرايين، وبالتالي فهذه الأمراض تؤثر في الوظائف الدماغية لديهم، ففي حالة تصلب الشرايين يقل تدفق الدم إلى الدماغ، مما يؤثر في وظائف الدماغ، وبالتالي الإصابة بالاكتئاب، إضافة إلى نمط الحياة الذي يعد من أحد المسببات له، فطبيعة العلاقة بين كبار السن وأولادهم تؤثر وبشكل كبير في حالتهم النفسية، وهذه التغيرات في التركيبة المجتمعية، والحروب، والكساد الاقتصادي، مما أدى إلى إحساسهم بنوع من العزلة وهذه الحالة الجديدة التي يعيشونها الآن التي تشعرهم بمشاعر نفسية مضطربة قد تصل إلى الحزن والاكتئاب .
وأضاف: أن التغيرات الفسيولوجية لتركيبة الدماغ التي تحدث لدى كبار السن واتباعهم نظام غذائي غير صحي، إضافة إلى ضعف وقلة الرعاية والخدمات الصحية وعدم توفر الأمان الصحي للمريض، والظروف المجتمعية جميعها عوامل تساعد على زيادة الاكتئاب لدى كبار السن والإصابة بالاضطرابات النفسية، حيث إن أعراض الاكتئاب عند كبار السن تتمثل في الميل الى البكاء، الشعور بالحزن معظم الأوقات، الانعزال عن الآخرين، وعدم الرغبة بالاختلاط والخروج من البيت .
وعقّب على الدراسة فقال: إن مهمة الجدات اللاتي يوكل إليهن الاعتناء بأحفادهن سلاح ذو حدين، فإذا كانت من الجانب الترفيهي أو وجودهن من باب التسلية فهذا مفيد، أما إذا كان من جانب تحمل المسؤولية، فهذا قد يتسبب لهن بنوع من القلق والتوتر والخوف أيضا من ارتكاب الأخطاء أثناء اعتنائهن بهم، وهذا يعتبر بالنسبة إليهن حمل ثقيل قد لا يستطعن تحمله .