يكبرون في السن، وينشغل الأبناء في حياتهم، فتصبح الحياة ثقيلة على قلب ونفس المسنين بعد أن يدركوا أنهم أصبحوا فجأة “بلا شغلة ولا مشغلة”، وينزوي بعضهم رافضا الاحتكاك بالحياة من جديد ويستسلم للأمراض النفسية، بينما تهاجم الأمراض الجسمانية البعض الآخر بلا هوادة.
أحمد خليل صاحب جمعية خيرية أدرك تلك المعضلة التي يحيا فيها كبار السن، فقرر تنظيم رحلات ترفيهية وعلاجية لهم كل شهر إلى حديقة الأزهر بارك، حتى يستعيدوا صحتهم، وتتحسن نفسيتهم الحزينة بقليل من الأمل والهواء الطلق.
كبار السن في حاجة لنظرة تعاطف
“المسنين فى مصر مظلومين، محتاجين اللى يمد ليهم يد العون، ويشوف احتياجاتهم البسيطة، مش إنهم كبروا ولازم نسيبهم، لأنهم معادوش مناسبين للعصر اللى إحنا فيه، زي ما كتير من البنات والأولاد بيشوفوا أهاليهم، ومن خلال الجمعية بنظم ليهم رحلات، علشان يقدروا يشوفوا الحياة بعين الأمل من جديد” كلمات يقولها أحمد فروجة صاحب جمعية خيرية والمسؤول عن تنظيم تلك الرحلات.
مندي: الحياة رجعت ليا من جديد
أحد المشاركين فى تلك الرحلات “مندي رواش” يبلغ من العمر 75 عاما، كان يمتهن وظيفة”عامل بناء”، ولكن بعد أن وصل لسن الـ60 لم يعد قادرا على مواصلة العمل، وبدأ يكثر جلوسه فى المنزل، و بدأ شعوره بالوحدة يتزايد يوما بعد يوم عقب وفاة زوجته، وانهماك أبنائه في العمل، ولكنه أكد أن ذلك النوع من الرحلات منحه بعض الأمل بعد أن كاد يفقده تماما: “انبسطت جدا، وحسيتإأن الحياة رجعت ليا من جديد، خصوصا إن مراتي متوفية وولادي كلهم متجوزين، وكل واحد مشغول في حياته، وأنا مش زعلان لأن كل واحد فعلا فيه اللى مكفيه، لكن الواحد وهو لوحده الحياة بتكون صعبة عليه، فى الرحلة بنغني ونفضفض وبنتعرف على ناس جديدة بيكونوا فى نفس السن فبيكونوا فاهمين الحاجات اللى الواحد بيمر بيها”.
لم ينكر”مندي” أنه رفض فى البداية المشاركة في تلك الرحلات: “في الأول قولت ليهم إيه الكلام الفاضي ده، سني ميسمحش بكدة، لكن لما صمموا إننا نشارك معاهم، خرجت واحد تاني، وفعلا برشحها لأي حد كبير في السن وشايف إن الحياة صعبة”.
خالد: بعد الرحلات دى رجعت لبيتى ومراتى
أما “خالد محمد” 50 سنة، فاعتبر أن حياته كانت تعاني من الاضطراب في كل النواحي، ولكن بعد عدة رحلات بدأ يدرك أن حياته تستحق أن يسعى لتحسينها: “أنا بعاني من مرض في الدم، لازم أغير له دم كل شهر، وكانت عنيا مش بشوف بيها، عليها مية بيضا، وبسبب حالتي النفسية السيئة بدأت أتخانق مع أي حد، حتى مراتي، لدرجة إنها زهقت وسابت البيت، وبعدها عملت العملية على عنيا، وشيلت المية البيضا، صاحب الجمعية كتر خيره صمم إني أشارك معاهم في الرحلة دي علشان أغير جو، وفعلا من خلال الغنا والضحك اللي لاقيته والونس بس ناس بقوا زي أهلي نفسيتي شوية اتحسنت، خصوصا إن فيه معالجة نفسية بتسمعنا، ورجعت البيت، مقرر أني أصالح مراتي، وأجرب مرة تانية أطور حياتي”
وبحسب “أحمد” رئيس مجلس إدارة الجمعية، فالرحلة التي يتم تنظيمها للمسنين، تكون عبارة عن يوم واحد، يبدأ من التاسعة صباحا، وحتى الخامسة مساء، ويتضمن اليوم وجبتي إفطار وغداء مجانية للمشاركين: “في الأول بنتجمع في الجمعية ومن خلال أوتوبيس الجمعية بتأجره بناخد المشاركين من كبار السن، ونروح بيهم الأزهر بارك، وهناك بنظم جلسات للفضفضة، وقعدات غنا، وكل ده من غير ما نكلف المشاركين أي حاجة، لأننا هدفنا إننا نسعدهم بس”.
رحلات ترفيهية وعلاجية
ويصف “أحمد خليل” منسق الجمعية، أن ذلك النوع من الرحلات ليس غرضها ترفيهي فقط، بل علاجي أيضا، لأنهم يصطحبون معهم معالجة نفسية، تستمع إلى مشكلات المشاركين، وتحاول طرح حلول عليهم من واقع خبرتها في علم النفس: “لأننا عارفين إن فيه كتير من كبار السن هيكونوا مقلقين من المشاركة في النوع ده من الرحلات، بروح لهم لغاية باب البيت، وبقعد معاهم وأفهمهم الغرض، خصوصا أني بكون عارف ظروف البعض منهم وحاجته للخروج وأنه يشوف الدنيا بعيدا عن أربع حيطان، وخلال اليوم بنستضيف معالجة نفسية متخصصة تسمع مشاكلهم وتقدم ليهم حلول مناسبة، وفعلا كتير حياته بتتغير من الخروجات دي، وده اللى بنتمناه، لأن كبار السن أهالينا فى النهاية اللي لازم نشيلهم فوق راسنا بعد كل اللي قدموه من تضحيات”.
المصدر : ألوان