فرض تغير التركيبة الديموغرافية للمجتمع التونسي على الحكومات المتعاقبة تطوير برامجها وتكثيف الإجراءات التي تستهدف كبار السن بغاية المزيد من العناية بهم.
وأكدت دراسات رسمية سير المجتمع التونسي نحو التهرم، مشيرة إلى أن نسبة المسنين في تونس ارتفعت من 5.1 في المئة إلى 10 في المئة خلال الخمسين عاما الماضية، كما توقعت نفس الدراسات، ارتفاع نسبة المسنين إلى 17.7 في المئة بحلول عام 2029، و20.9 في المئة بحلول عام 2034.
وأشار خبراء الاجتماع إلى أن تركيبة المجتمع التونسي والتحول نحو الشيخوخة يكشفان حجم التغيرات التي طرأت عليه من الناحية النفسية والثقافية، مبينين أن العائلات التونسية تغيرت من نظام العائلة إلى نواة أصغر ضمن نظام الأسرة، ولم تعد تلك العائلات تحتضن المسن بحكم العمل ومتغيرات أخرى.
كما توقعت دراسة أنجزها خبراء لفائدة المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية ارتفاع عدد المتقاعدين إلى أكثر من مليونين و200 ألف متقاعد سنة 2024. ودعت الدراسة التي حملت عنوان “أي مستقبل للمتقاعدين في تونس” إلى ضبط استراتيجية لتنشيط حياة المتقاعدين والاستفادة من خبراتهم وذلك لحمايتم من العزلة والأمراض.
وقالت إيمان بالشيخ مساعدة مدير رعاية كبار السن في وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن، إنّ الوزارة، ومن خلال الإمكانات المتوفرة لديها، تعمل على تطوير البرامج، والأولوية هي للحفاظ على بقاء المسنين في محيطهم الطبيعي أي مع أسرهم، وتحسين ظروف عيشهم وتوفير أسباب الرفاه الاجتماعي لهم.
وبينت بالشيخ أنّ التشجيع على بقاء المسنين داخل محيطهم يكون من خلال برامج عدة، أبرزها الفرق المتنقلة التي تتولى تقديم الخدمات الصحية والاجتماعية لهم، ويبلغ عددها 43 فريقا، مشيرة إلى أن الوزارة تتولى دعمها وتمويلها من خلال تقديم منح ضرورية وتوفير بعض المساعدات للمسنين.
من جهتها أكدت الوزارة على صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” أنها تعمل على إعداد استراتيجية وطنية في مجال كبار السن تمكن من الاستجابة إلى تطلعاتهم وتكون في انسجام تام مع المبادئ الأممية والدولية في المجال، وتتلخّص محاورها في حماية كبار السن ورعايتهم وحمايتهم من كل أشكال العنف وسوء المعاملة والعمل على إدماجهم في الحياة العامة والاستثمار في كفاءاتهم، خاصة وأن تونس قد شهدت في السنوات الأخيرة اعتداءات موجهة ضد كبار السن، تراوحت بين العنف المادي والمعنوي والاعتداءات الجنسية والقتل والتنكيل
كما شرعت الوزارة أيضا في مراجعة كراس شروط إحداث وتسيير مؤسسات رعاية كبار السن في اتجاه إحداث مؤسسات استشفائية لرعايتهم، بما يضمن الرفع من جودة خدمات الرعاية الصحية وتوفير بيئة ملائمة وآمنة تستجيب لحاجياتهم. كما أن إحداث وتسيير نوادي نهارية لكبار السن، يهدف لتمكينهم من القيام بأنشطة اجتماعية وترفيهية تساعد على إدماجهم في الحياة الاجتماعية وتساهم في الاستفادة من تجاربهم وخبراتهم.
وقال خالد المطوسي أخصائي اجتماعي رئيس وكاهية مدير الوقاية والتخطيط والتكوين بإدارة كبار السن إن هذه الاستراتيجية مبنية على مقاربة حقوقية بها العديد من المحاور. مشيرا إلى أن فئة المسنين فئة غير متجانسة على مستوى الحاجيات وفيها من يتطلب الرعاية الصحية ومن يقدم الإضافة وفيها من فقدوا الاستقلالية (الفئة الحاملة لإعاقات).
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن للوزارة أكثر من مشروع وأن العمل على الاستراتيجية الوطنية لكبار السن تم منذ يوليو الفارط عبر فريق عمل متكون من خبراء في علم النفس وعلم الاجتماع، مشيرا إلى أن الوزارة بصدد مراجعة كراس الشروط المتعلق بإحداث مؤسسات كبار السن.
ويتنظر المسنون في تونس المصادقة على مشروع مجلة كبار السن التي كانت قد شرعت في إعدادها وزارة شؤون المرأة والأسرة منذ العام 2017 في إطار لجنة تفكير متكونة من كوادر سامية. ومن بين الإجراءات التي ستتضمنها المجلة تكريس حق كبار السن في مواصلة العمل إثر التقاعد في إطار منظم، وتمتيعهم في الحق من بطاقة كبار السن للانتفاع بعديد الامتيازات، وإقرار خطة مندوب حماية كبار السن لحمايتهم من كل مخاطر العنف التي يمكن أن يتعرضوا لها.
وقال المطوسي إن فريق عمل تشكل مند العام 2017 من كوادر ذات علاقة لوضع أسس مجلة كبار السن التي تنبني على مقاربة الحماية والإدماج: حماية المسنين من كل أشكال العنف وإدماجهم في الحياة العامة.
وأضاف أن حماية كبار السن من العنف المسلط ضدهم تضمنها المجلة عبر إحداث خطة مندوب حماية كبار السن، مشيرا إلى أن محور الإدماج والمشاركة في الحياة العامة لكبار السن والمتقاعدين جاء ليحميهم من العزلة الاجتماعية ولإيجاد بعض الآليات التي يستعينون بها بعد إحالتهم على التقاعد.
وكانت تونس قد أطلقت في العام 2019 استشارة وطنية حول المتقاعدين وكبار السن هدفت إلى تشخيص الوضع الاجتماعي والاقتصادي لكبار السن ومدى استجابة نظم الحماية الاجتماعية لحاجياتهم وتقييم الخدمات الصحية المسداة لهم والوقوف على حاجيات المرأة المسنة والمتقاعدة.
وقد تم استثمار نتائج تلك الاستشارة وتوظيفها بالأساس عند مراجعة الخطة الوطنية للإعداد للتقاعد ولشيخوخة نشيطة والإعداد للاسترتيجية الوطنية لكبار السن.
وتبقى جهود سلطات الإشراف في العناية بفئة المسنين منقوصة وفق ما يؤكده عدد من خبراء الاجتماع، الذين بينوا أن تطور هذه الشريحة لم يسبقه توفير ظروف ملائمة للمسنين، مثل ما يتم في المجتمعات الغربية، ما جعلهم يعانون صعوبات معيشية وصحية ليتحولوا إلى عبء على الدولة وهو ما أكدته إحصائيات رسمية أشارت إلى أن 76 في المئة من المسنين في تونس غير مكفولين من الأقارب و37.5 في المئة لا يتمتعون بجرايات تقاعد و3 في المئة فقط من المسنين لهم جرايات اجتماعية ما يدفع بهم إلى العمل في ظروف صعبة.
وفي تعليقه على ذلك قال المطوسي إن فاقدي السند من كبار السن يمكنهم الانتفاع ببرنامج الأمان الاجتماعي وهو برنامج تكلفة مجلة حماية كبار السن وتسهر على تنفيده وزارة الإشراف.
المصدر : العرب