بقلم: داميان إن جي
كشف الوباء عن القصور الكبير في أنظمة الصحة العامة والرعاية الصحية في البلدان المتقدمة والنامية على حد سواء. ولهذا، ستدفع الأزمة الصحية حتمًا السلطات ومؤسسات الرعاية الصحية والمجتمع العلمي الدولي إلى إعادة النظر في مرونة أنظمة الرعاية الصحية الوطنية والصحة العامة. فببساطة، سيسرّع تفشي الفيروس التحول الرقمي في قطاع الرعاية الصحية من أجل تخفيف الضغط على المستشفيات وتحسين رعاية المرضى، حيث تتزايد الدعوات للحد من التكاليف الطبية من خلال اعتماد تقنيات الصحة الرقمية. وستشكّل رفاهية المرضى محور الرعاية الصحية المستقبلية بناءً على الدروس المستخلصة من أزمة كوفيد-19.
الرعاية الصحية المستقبلية – المواضيع الأساسية
سيؤدي ضعف نظام الرعاية الصحية الحالي الذي كشفت عنه أزمة كوفيد-19 وارتفاع الأمراض المزمنة المرتبطة بتغيرات نمط الحياة والشيخوخة السريعة للسكان في جميع أنحاء العالم، إلى إعادة صياغة مستقبل الرعاية الصحية. فستكون الرعاية الصحية في المستقبل مرتكزة على التطورات التي تشهدها القطاعات الرئيسية الثلاثة التالية:
الصحة الرقمية – سيسرع الوباء رقمنة قطاع الرعاية الصحية لا سيما مع التركيز على التطبيب عن بعد والصحة المتنقلة والتكنولوجيا الطبية.
علم الجينوميات – سيشجع البحث عن علاجات كوفيد-19 على المزيد من البحث والتطوير في علم الجينوميات، ما يبشّر بعصر جديد من التشخيصات وعلاجات الأمراض المعدية وغيرها من الأمراض القاتلة غير المعدية المعتمدة على الجينات.
إطالة العمر – أدى تعرّض المتقدمين في السنّ للأمراض المعدية إلى تزايد الدعوات لتحسين مرافق التمريض والرعاية طويلة الأمد فضلاً عن التركيز بشكل أكبر على التدابير الوقائية من خلال المراقبة الصحية والعلاجات المخصصة المرتبطة بالشيخوخة.
الصحة الرقمية
لا يخفى على أحد أن الفواتير الطبية ارتفعت في العقود القليلة الماضية بسبب مجموعة من العوامل التي تشمل السياسات الحكومية وزيادة الإصابة بالأمراض المزمنة المرتبطة بتغيّر نمط الحياة وشيخوخة السكان. ولهذا الأمر عبء مالي هائل على العائلات والأفراد وخاصة ذوي الدخل المنخفض، حيث من المرجح أن يجدوا صعوبة أكبر في تحمّل كلفة الموارد الطبية. في ما يتعلق بإنفاق الفرد الواحد على الرعاية الصحية العالمية، ينفق الأمريكيون مالاً أكثر على الأدوية والخدمات ذات الصلة مقارنة ببقية العالم. أنفق الأمريكيون في المتوسط قرابة 12 ألف دولار أمريكي على الرعاية الصحية في عام 2018 بالمقارنة بالمبلغ الأصغر بكثير في دول مثل سويسرا وألمانيا واليابان ودولة الإمارات العربية المتحدة والصين. وبالتالي، ليس من المفاجئ أنّ 85% من الأمريكيين الذين شاركوا في استطلاع رأي أجرته شركة Ipsos مؤخرًا اعتبروا تكاليف الرعاية الصحية مصدر قلقهم الأكبر، متجاوزةً بأشواط المخاوف المالية الرئيسية الأخرى مثل التقاعد (73%) والإسكان (66%).
ويعمل المتخصصون في مجال الرعاية الصحية حول العالم على دمج تقنيات الصحة الرقمية بشكل متزايد في ممارساتهم من أجل الموازنة بين تخفيض التكاليف والحفاظ على مستوى عالٍ من رعاية المرضى. وسيؤدي هذا النهج إلى الحد من إنفاق المرضى من أموالهم الخاصة على احتياجاتهم الطبية وإلى تعزيز القدرات في العيادات والمستشفيات. فسيؤدي مدى تفشي كوفيد-19 إلى تسريع التحول الرقمي للرعاية الصحية من أجل تحسين رعاية المرضى. ومع أخذ هذا الأمر بعين الاعتبار، نرى أن القطاعات الرئيسية الثلاثة التي تقوم عليها الصحة الرقمية هي الطب عن بعد والصحة المتنقلة والتكنولوجيا الطبية.
علم الجينوميات
إزاء تزايد الإصابات الجديدة بفيروس كورونا والوفيات الناتجة عنه في جميع أنحاء العالم، تتسابق شركات التكنولوجيا الحيوية ومؤسسات الصحة العامة في الولايات المتحدة وأوروبا والصين لتطوير علاجات لكوفيد-19. وتصبّ تركيزها بالتحديد على الشفرة الجينية للفيروس للبحث عن حل. على سبيل المثال، استثمرت الحكومة البريطانية 20 مليون جنيه إسترليني في أبحاث كوفيد-19 التي ستسمح للأطباء والعلماء برسم خريطة انتقال الفيروس والطفرات باستخدام تسلسل الجينوم. وقد أصبح هذا الأمر ممكنًا بفضل انخفاض تكاليف تسلسل الجينوم على مدار السنوات العشر الماضية بنسبة 99%. بعبارة أخرى، يأمل علماء الأوبئة والباحثون أن يتمكنوا من خلال تحديد تسلسل الحمض النووي للفيروس من تحديد أصل فيروس كورونا وكيفية انتشاره والحد من تفشيه. ومع ذلك، لا يقتصر البحث في علم الجينوميات على كوفيد-19.
إطالة العمر
أصبحت محنة ضحايا كوفيد -19 المسنين موضع تركيز في نشرات الأخبار حول العالم. مثلاً، يقدّر معهد روبرت كوخ أن الأشخاص الذين يبلغون من العمر 60 عامًا وأكثر يمثلون أكثر من 80% من الوفيات المرتبطة بكوفيد-19 في ألمانيا، وبالأخص من هم في العقد الثامن من العمر. هذا بالمقارنة بإحصاءات مماثلة لوحظت في بلدان أخرى مثل الأرجنتين والصين والولايات المتحدة. بمعنى آخر، يزيد تقدّم العمر من احتمالية الوفاة من العدوى. ولكن لماذا يكون كبار السن أكثر عرضة لهذا المرض المعدي؟ لهذا الأمر أسباب اجتماعية وجسدية. أولاً، يضعف جهاز المناعة لدى كبار السن، مما يجعلهم أكثر عرضة للأمراض المعدية بشكل عام. كما أنهم أكثر عرضة للمعاناة من حالات صحية مثل أمراض القلب والرئة والسكري ومشاكل الوزن، مما يحدّ من قدرة الجسم على مقاومة الفيروس. وعلى الرغم من أن معدلات الوفيات قصيرة الأجل في صفوف كبار السن سترتفع بسبب الوباء، إلا أن التوجه العالمي المتمثل بإطالة العمر يبقى حقيقة لا جدال فيها. ولذلك، ستصبح دور الرعاية طويلة الأجل والتدابير الوقائية الأفضل من خلال التكنولوجيات الصحية المتنقلة والعلاجات القائمة على الجينات لكبار السن أكثر أهمية في المستقبل.
التوقعات
قد تكون جائحة كوفيد-19 نقطة تحول مهمة في قطاع الرعاية الصحية لأنها بالتأكيد كشفت ضعف سلسلة القيمة الصحية بأكملها، بدءًا من المواطنين وصولاً إلى المؤسسات الصحية الدولية. ووفر الوباء في الوقت ذاته قوة دفع أكبر لتعزيز قدرتنا على الصمود في وجه التهديدات الصحية الحالية والمستقبلية من خلال توسّع تبنّي تقنيات الصحة الرقمية وغيرها من الحلول المبتكرة مثل العلاجات القائمة على الجينات. ولهذا، يتعين على الحكومات ومسؤولي الصحة العامة في جميع أنحاء العالم التعاون مع المجتمع العلمي الدولي لتحويل أزمة كورونا إلى فرصة من خلال إعادة النظر الشاملة في نقاط ضعف أنظمة الصحة العامة الدولية والمحلية ومعالجتها، وستساهم التكنولوجيا بشكل كبير في هذا الأمر.
ومع ذلك، لا ينبغي أن نركز على السعي الحثيث وراء التقنيات الأحدث على حساب الجانب الإنساني للرعاية الصحية، بما في ذلك التعاون مع الآخرين والتحدث معهم والاستماع إليهم. يجب أن ننتبه إلى تحذير ألبرت أنشتاين الذي قال: «أخشى اليوم الذي تطغى فيه التكنولوجيا على التواصل بين البشر. سيكون في العالم جيل من الحمقى».
سيصاغ مستقبل الرعاية الصحية من خلال التوجهات والتطورات الهيكلية المواتية في القطاع. ويُتوقع أن تشهد المجالات المتعلقة بالصحة الرقمية وعلم الجينوميات وإطالة العمر مزيدًا من التطوير على المدى الطويل، نظرًا إلى التحديات السياسية والقوى الديموغرافية المتزايدة في جميع أنحاء العالم، وظهور الأمراض المزمنة المرتبطة بالشيخوخة إضافة إلى ارتفاع التكاليف الطبية. في هذا السياق، نرى أنه يتعين على المستثمرين على المدى الطويل الحفاظ على موقف إيجابي حول الاستثمار في الرعاية الصحية.
المصدر :أخبار الخليج