نبّه الأطباء مؤخرا، من ظاهرة تسجيل حالات كثيرة، لشباب مصابين بارتفاع الضغط الدموي، رغم أن لا سنّهم ولا حالتهم الجسدية تُمهّد لإصابتهم بهذه الأمراض التي تصيب عادة كبار السّن. والأمر جعل المختصين يدقون ناقوس الخطر، داعين الشباب للحذر واتّخاذ سبل الوقاية المُسبقة.
كانت أمراض ارتفاع الضغط الدموي، وإلى وقت قريب، مقتصرة على كبار السن، والذين يشرعون في شرب أدوية الضغط انطلاقا من سنّ معينة، هي غالبا انطلاقا من 55 سنة، لكنّ المُلاحظ مؤخّرا أن شبابا في العشرينات والثلاثينات من أعمارهم باتوا يتناولون حبوب ارتفاع الضغط المزمن، وهي ظاهرة جديدة في مجتمعنا سبّبتها عوامل كثيرة.
والأكثر غرابة، تسجيل أطفال يدرسون في الطور المتوسط والثانوي، اصابتهم بارتفاع الضغط الدموي.
بدأت تناول دواء الضّغط منذ عمر 29 سنة..!
“محمد” شاب في 36 من عمره، يشغل منصب أستاذ لغة فرنسية بإحدى متوسطات الجزائر العاصمة، المعني اكتشف إصابته بالارتفاع المزمن للضغط الدموي وهو في سن 29 سنة فقط، ويقول “طبيبتي المُعالجة تفاجأت لحالتي، لأني كنت شابّا يافعا، بل وتعرّضتُ لجلطة دماغية بسبب الارتفاع المفرط للضغط الدموي كادت تقضي عليّ بعد ما وصل ضغطي حتى 190..
ولأنّ الضغط الدموي لمحدثنا، بات يرتفع دوريا، كان مُجبرا على تناول الحبوب بشكل مزمن. وأرجع “محمد” أسباب حالته، إلى الضغط النفسي الكبير الذي يواجهه في مهنة التعليم، إضافة إلى مروره بأزمات شخصية وعائلية، لم يستطع مقاومتها.
أما كريمة صحفية، فبدأت في تناول دواء الضغط المزمن منذ سن 22، بعد ما لم يفلح “الريجيم الغذائي” في علاجها، وبعد 3 سنوات أصيبت بالسكري، حيث أكدت “كنت أعيش ظروفا اجتماعية صعبة.. والدي مصاب بمرض السرطان، وأنا المعيلة الوحيدة للأسرة، وهو ما شكل عليّ ضغوطا نفسية رهيبة جدا، أدخلتني في دوامة الضغط الدموي المزمن”.
المشاكل الأسرية والمهنية أهم الأسباب
وأكّد الطبيب العام، عبد الرحمان توايمية، استقباله يوميا لعديد حالات ارتفاع الضغط الدموي لشباب وصغار السن على غير المعتاد، معتبرا أن الظاهرة في ارتفاع مستمر مؤخرا.
وأرجع عوامل الظاهرة، إلى انتشار ظاهرة القلق والتوتر وعدم الثقة في النفس التي باتت تميز شباب اليوم، إضافة إلى عدم الاستقرار الأسري والمهني والمشاكل الزوجية.
وقال “حتى الإنهاك المُفرط في العمل، وعدم اقتطاع لحظات للراحة، من أسباب ارتفاع الضغط الدموي للشباب. اضافة إلى قلة الحركة والأكل غير الصّحي، والقولون العصبي والتدخين “.
حذار من المملحات والسكريات و”الفاست فود”
ومن جهته، اعتبر المختص في الصحة العمومية، فتحي بن اشنهو لـ”الشروق”، بأن إصابة أفراد أصغر في السن، بمرض الضغط الدموي المزمن، بات ظاهرة لافتة مؤخرا، وهي “ظاهرة جديدة في الطب، نسميها ظاهرة وبائية”. وهو ما جعله يوجه نداء للشباب باتخاذ سبل الوقاية لتجنب “أمراض الشيوخ”.
وربط المختص، بين نمط الحياة الحالي وبين ظهور “أمراض” الشيوخ وسط الشباب، وحسبه، تغير النمط الغذائي في مجتمعنا، مع الانتشار الرهيب لوجبات الشارع السريعة، اضافة للعلامات الكثيرة لأنواع المشروبات السكرية، وظهور الحبوب المملحة التي يقبل عليها الأطفال والشباب بشراهة.. جميعها ساهم في التعجيل بإصابة الأطفال والشباب بالضغط الدموي المزمن.
وقال محدثنا، بأن هذا “الانفجار في إصابات ارتفاع الضغط الدموي، يكلفنا أموالا باهظة، ويُساهم في رفع نسبة إصابة الشباب بالسكتات القلبية والدماغية”.
ودعا مُحدّثنا، إلى إعادة النظر في قطاع الصحة العمومية، بالتركيز على الوقاية والتربية الصحية، والتي ينبغي أن تكون قضية وطنية. مُثمّنا موضوع تنظيم أيام وقائية من طرف وزارة الصحة، خلال الأسبوع المنصرم، والتي ركز فيها الأطباء على توجيه نصائح وإرشادات مهمة في جميع المجالات، أمومة وطفولة، امراض معدية، الفيروسات، الوقاية، الأدوية..
5 بالمائة من الشباب مصابون بارتفاع ضغط الدم المزمن
واعتبر، رئيس مصلحة أمراض القلب والأوعية بمستشفى نفيسة حمود “بارني”، جمال الدين نيبوش، بأن إحصائيات الإصابة بمرض ارتفاع الضغط الدموي المزمن، لا تزال مرتفعة عند كبار السن من 60 إلى 80 سنة، بينما تشكل نسبة 5 بالمائة لدى الفئات العمرية بين 18 إلى 30 سنة، وهي حسبه نسبة مرتفعة جدا.
وعدّد المختص عبر “الشروق” عوامل إصابة الفئات العمرية الصغيرة، بهذا المرض المزمن، والتي يأتي على رأسها العامل الوراثي، يليها القلق والضغط النفسي، الإفراط في تناول مشروبات الطاقة الغنية بمادة الكافيين، استهلاك المخدرات، ثم يأتي عامل البدانة، ورابعا الإصابة بداء السكري، مؤكدا بأن نسبة اصابة مرضى السكري بارتفاع الضغط الدموي، تتراوح بين 30 إلى 60 بالمائة، وخاصة اذا كانوا مدخنين ويعانون من ارتفاع كوليسترول الدم.
وكشف نيبوش، بأن آخر احصائيات الإصابة بالسكري في الجزائر وصلت إلى إصابة 14.5 بالمائة من مجموع السكان، وقال إنها “نسبة مرتفعة جدا، لأنها لا تتعدّى عالميا الـ7 بالمائة”، وكاشفا أيضا، بأن نسبة إصابات السكري بين الرجال في الجزائر بلغت 15 بالمائة، وترتفع حتى 30 بالمائة عند النّساء.
ودعا المختص الجزائرييّن، إلى التقيد بنمط غذائي صحي، وعلى رأسها التقليل من تناول الملح والمملحات والخبز الأبيض، لأن خبزة واحدة تعادل 20 حبة سكر، وتجنب وضع قارورة الملح على طاولة الأكل، “ويا حبذا لو تقوم وزارة التربية الوطنية، بإدراج منهج دراسي، يتضمن دروسا عن الوقاية الصحية”.
المصدر:………..https://cutt.us/nGmZn