المدينة الرقمية لكبار السن في الدول العربية

حين تنقلب الآية.. ويصبح كبار السن مدمنين للتكنولوجيا

كان الإنترنت حكرًا على المتخصصين ومن يحتاجونه في أعمالهم، ثم امتد ليشمل فئة الشباب، ومع انتشاره أكثر بدأ الأطفال بتعلم استخدامه، لا سيما مع إمكانية الدخول إليه من خلال الهواتف النقالة، لكن ما بات ملحوظا في السنوات الأخيرة أن أعدادا غير قليلة من كبار السن بدؤوا هم أيضا باستخدامه، ووصل الأمر ببعضهم إلى إدمان الإنترنت، هذا ما تناقشه “فلسطين” في التقرير التالي لمعرفة أسبابه ونتائجه وكيفية علاجه.

تباً لــ “التاب” يا جدتي

رسم كاريكاتوري منتشر عبر الإنترنت تحت عنوان “زيارة لبيت الجد”، يظهر فيه الأبناء والأحفاد وكل منهم ينظر إلى هاتفه النقال، بينما الجد والجدة منعزلان عابسا الوجه، لا شك أن هذا الرسم يعبر عن الحال الذي وصلت إليه العلاقات الاجتماعية في كثير من العائلات، ولكن ماذا لو انقلبت الآية، وأدمن الجد أو الجدة الإنترنت؟!..

هذا ما يحدث في عائلة الشابة “مها محمود” التي تقول: إن جدتها تكون منعزلة عن العائلة في الزيارات الاجتماعية، بسبب استخدامها هي للإنترنت، فجهازها اللوحي (التاب) لا يفارق يدها.

تقول مها: “عندما أنشأت إحدى خالاتي حسابا لجدتي عبر موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك) كان ذلك بهدف التواصل مع خالاتي الأخريات المغتربات، وكذلك أخوات جدتي وبعض أقاربها في الغربة، ولم تكن تكثر استخدامه في البداية لعدم معرفتها به”.

وتضيف لـ”فلسطين”: “بالتدريج، زاد استخدام جدتي للإنترنت، ولم يعد الأمر مقتصراً على مواقع التواصل، إذ تعلمت البحث عن أي شيء تريده، فأحيانا تبحث عن وصفات للطهو، أو طرق بعض مشغولات الصوف التي تحب الاطلاع عليها وتنفيذها”، متابعة: “لما زاد استخدامها للإنترنت أهداها ابنها جهازا لوحيا، فتضاعف الوقت الذي تقضيه على الإنترنت، حتى وصلت مرحلة الإدمان رغم أنها جاوزت السبعين من عمرها”.

وتوضح: “تأخذ جدتي جهازها معها أينما توجهت، فتقضي وقتها عليها منعزلة عمّن حولها، حتى أننا في الاجتماعات العائلية نرجوها أكثر من مرّة لتركه والتحدّث إلينا، وأحيانا تأخذ إحدى الخالات الجهاز منها وتخفيه لبعض الوقت”.

تواصلٌ ثم إدمان

وليس بعيدا عن حال الجدّة في القصة السابقة، تقول “ربى اسليم” عن والدتها: “أتواصل أنا وأخواتي المتزوجات دوما عبر مجموعة في (فيس بوك) وأخرى على (واتس أب)، وكلّما ذكرنا أمام والدتي شيئا من أحاديثنا عبر هذه المجموعات تشعر وكأنها خارج إطار حديثنا وليست في الصورة دوما”، مضيفة: “لهذا السبب أنشأنا لها حسابا على (فيس بوك)، وفعّلنا برنامج (واتس آب) على هاتفها النقّال”.

وتتابع لـ”فلسطين”: “كان استخدام الإنترنت صعبا على أمي في البداية، ولمّا أجادته لم يعد تواصلها معنا هو الاستخدام الوحيد، بل تواصلت أيضًا مع بعض الأقارب والمعارف، ويمكنني القول أنهم أخذوها منّا رغم عدم تقصيرنا معها في الاهتمام والتواصل”.

وتبيّن: “أدمنت أمي الإنترنت وأصبحت تقضي جلّ ساعات يومها عليه، خاصة بعدما خرجت من دائرة التواصل إلى تصفح بعض المواقع الإخبارية ومواقع المنوّعات”.

إثبات وجودٍ

من جانبها، تقول الأخصائية النفسية ليلى أبو عيشة: إن “استخدام كبار السن للإنترنت يأتي نتيجة حب الفضول عند الإنسان الذي دخل هذه المرحلة العمرية ورغبته بالتعرف على التكنولوجيا التي لم يحالفه الحظ في استخدامها في شبابه، خاصة أن الكل من حوله يستخدمها”.

وتضيف لـ”فلسطين”: “إثبات الوجود هو سبب آخر يدفع المسنين لاستخدام الإنترنت، وكأنه يريد أن يقول لمن حوله أنا موجود وكبر سني لم يعزلني عن العالم، ولا يعني أنني لست صاحب دور فعال، وهذا جزء من التحدي لمرحلة الشيخوخة”.

وتتابع: “فيما يتعلق بمواقع التواصل الاجتماعي، فإن كبير السن يعتبرها منصة ليبث أفكاره من خلاله، فمنهم من يرى أن لديه أفكارا وخبرات ينبغي أن يستفيد منها الشباب، ويشعر بالتقدير كلّما تلقى تعليقا أو إعجابا بما ينشر”، مضيفة: “على الصعيد النفسي، يعتبر الإنترنت فرصة للتفريغ انفعالي لمشاعر الكبار سواء الإيجابية السلبية، وبالذات فيما يتعلق بشعور الوحدة، ويستخدمونه لجس نبض مشاعر الآخرين خاصة الأبناء المتزوجين المنشغلين عنهم”.

وتلفت أبو عيشة إلى أن إدمان المسن للإنترنت ينم عن نقص في إشباع المشاعر لديه، وعليه يتعين على أبنائه أن يكثّفوا اهتمامهم به، ويؤنسوا وحدته بطرق مختلفة”.

مسؤولية الأبناء

وإلى جانب التأثير الإيجابي للإنترنت على كبار السن كالشعور بالتقدير وإثبات الذات والتعرف على العالم، تؤكد أبو عيشة أن للوصول لمرحلة إدمان الإنترنت تأثيرات أخرى غير محمودة العواقب، ومنها القلق، واضطرابات النوم، العزلة عن المجتمع بسبع المتعة التي تتحقق من خلال الإنترنت، منوهة إلى خطورة التأثيرات على الصحة العامة للمسن كاختلال النظام الغذائي، وآلام العظام نتيجة الجلسة غير الصحيحة على جهاز الكمبيوتر أو الأجهزة الذكية.

وتشدد على ضرورة تدخل الأبناء للتخفيف من إدمان آبائهم وأمهاتهم على الإنترنت، على أن يكون ذلك بطرق غير مباشرة ودون إشعار الكبير بالهدف الحقيقي منها، كشغل وقته بنشاطات أخرى وإخراجه من المنزل للتنزه لساعات غير قليلة، حتى يتغير للأفضل تدريجيًا.

المصدر:_…………..

مشاركة

بيانات الاتصال

اتصل بنا

97333521334+

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لـ المدينة الرقمية لكبار السن في الدول العربية© 2022