يظل هاجس توفير رعاية اجتماعية حقيقية لكبار السن والتكفل بهم طبيا مع توفير فضاء يلئم حاجياتهم ويضمن شروط الكرامة والعرفان، من ضمن التحديات الجسيمة التي تؤرق بال الأسر المعيلة لهم ويعيد إلى الواجهة نجاعة المبادرات المتخذة من قبل القطاع الوصي ومدى حمايتها لحقوق هذه الفئة التي تخلد يومها العالمي في فاتح أكتوبر من كل سنة، حسب ما جاء في وكالة المغرب العربي للأنباء.
ولعل ما يبرز هذه التحديات التقرير الأخير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الخاص بوضعية الأشخاص المسنين، والذي أوضح أن 10 بالمائة من الساكنة المغربية يتجاوز عمرهم 60 عاما، ما بات يطرح العديد من التحديات تتمثل أساسا في كون التكفل بهذه الشريحة في الإطار الأسري أصبح مهددا، خاصة بفعل تزايد النسق النووي للأسر.
كما أن « التخطيط غير المناسب للفضاء العمومي في الوسط الحضري حاليا، لا يشجع لا على الحركية ولا على حياة اجتماعية رغدة لفائدة كبار السن (أنظمة النقل والعبور غير مناسبة، حالة الأرصفة والمراحيض العمومية، والكراسي في المنتزهات والحدائق وفضاءات الترفيه) ».
وأشار المجلس أيضا إلى عدم ملاءمة البنية التحتية لمراكز الاستقبال مع خصوصيات وضعية كبار السن وغياب برامج لتأهيل وتحفيز موظفي هذه المراكز، والأكثر من ذلك أن 1/5 فقط من كبار السن يستفيدون من التغطية الاجتماعية والطبية، وعددا قليلا منهم يمكنه الولوج إلى العلاجات الطبية، في الوقت الذي تتزايد فيه احتياجاتهم البدنية والمالية.
وأمام هذا الوضع المقلق للأشخاص المسنين، أوصى العديد من الفاعلين باعتماد سياسة عمومية مندمجة لحماية الأشخاص المسنين حماية متكاملة، تتوفر على وسائل المواكبة والتقييم، وتأخذ بعين الاعتبار حقوقهم سواء ما يتصل بالكرامة أو المشاركة أو الاندماج الاجتماعي.
كما دعوا إلى تعميم الاستفادة من نظام التقاعد كجزء من إصلاح شامل للمعاشات المدنية، لضمان توسيع نطاق الضمان الاجتماعي والتغطية الصحية لفائدة المسنين، وخاصة لصالح ذوي الدخل المنخفض، مقترحين خلق « حد أدنى للشيخوخة » في إطار صندوق التماسك الاجتماعي.
وأوصى المجلس الاقتصادي والاجتماعي، في هذا السياق، بدعم الوضع الاجتماعي في الوسط القروي، لفائدة الأشخاص المسنين الذين ليست لهم روابط أسرية، أو تم التخلي عنهم، داعيا إلى إنشاء بنيات استقبال مناسبة، وتكوين مساعدين أسريين متخصصين، وتطوير علم وطب الشيخوخة وتأمين خدمات الرعاية الصحية لصالح كبار السن.
وفي ما يتعلق بالولوجيات، اقترح المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إعادة النظر في القوانين المتعلقة بالمباني لضمان الولوج والأمن وتنقل الأشخاص كبار السن.
وكجواب وطني على هذه التحديات المطروحة، أعلنت وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن عن استراتيجية وطنية لفائدة الأشخاص المسنين والتي ستشكل إطارا للتتبع والتقييم، ووعاء تنظيميا لتجميع كل الأفكار، ورسملة الممارسات الجيدة لبناء مقاربة تلبي انتظارات هذه الفئة يساهم فيها كل المتدخلين.
من جانبه، دعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في رسالة بمناسبة اليوم العالمي للأشخاص المسنين الذي يخلد هذه السنة تحت شعار « الاستدامة وشمول جميع الأعمار في البيئة الحضرية »، إلى « جعل المدن شاملة لكبار السن وأن يهيئ لهم فرص المشاركة الاقتصادية والاجتماعية في بيئات مأمونة وميسرة، ما يعني أيضا توفير سكن بتكلفة ميسرة ، وضمان الولوج للخدمات الصحية والاجتماعية اللازمة لدعم المتقدمين في السن ».
وكان الأمين العام الأممي قد شدد على وجوب تصور نموذج جديد يجعل الشيخوخة تنسجم مع النمو الاقتصادي والاجتماعي ويحمي حقوق كبار السن، مؤكدا بالقول « نحن جميعا، فرادى وجماعات، مسؤولون عن إدماج كبار السن في المجتمع، سواء من خلال تطوير وسائل نقل يسهل استخدامها ومجتمعات يسهل الوصول إليها، وكفالة توافر الرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية المناسبة للعمر، أو من خلال توفير أرضية مناسبة للحماية الاجتماعية ».
غير أن العديد من المعنيين بهذه الشريحة من المجتمع المغربي يعتبرون بأن « الوفاء للمسنين لا يقتصر على الاهتمام باحتياجاتهم ورعايتهم، بل يتطلب العمل على تقدير مكانتهم وتثمين إنجازاتهم، وتمكينهم من الاستمرار في الانخراط الفعال في مختلف الأنشطة المجتمعية ».