نجوى عبداللطيف جناحي:
كعادتي كنت أقلب صفحات الإنترنت بحثا عن موضوعات شيقة لأستمتع بقراءتها، ولأنني شغوفة بالأرقام استوقفني تقرير إحصائي صادر عن المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربي حول الإحصاءات السكانية في تلك الدول، الصادر في عام 2018، ويستعرض التقرير العديد من الإحصائيات حول النمو السكاني لدول مجلس التعاون الخليجي في الفترة من 2014 إلى 2016م، وقد لفت نظري إحصائية ذكرت في صفحة (18) حول الفئات العمرية فقد بينت الإحصائية أن نسبة السكان من عمر 0 إلى 14 (34%) ونسبة الذين تقع أعمارهم بين سن 15 إلى 64 (61.7%) أما نسبة الذين تفوق أعمارهم 65سنة (4.2%)، تلك الإحصائية تقرع جرس إنذار بالنسبة للمختصين في مجال خدمة المجتمع، ففي الوقت الحالي غالبية السكان هم من الفئة العمرية المنتجة والذين ما زالوا على رأس العمل (الشباب)، وهي الفئة المعيلة للفئتين العمريتين (الطفولة، والشيخوخة) ومن منظور اجتماعي فالمجتمع الخليجي يعتبر مجتمعا فتيا قادرا على إعالة نفسة بنفسه.
ولكن تأمل الوضع عزيزي القارئ بعد أكثر من عشر سنوات، فستكون نسبة الفئة المعيلة (الشباب) أقل بكثير من نسبة فئة كبار السن ذلك لأن فئة الشباب والتي تصل نسبتها إلى (61.7%) ستتحول لفئة المسنين، أما نسبة الأطفال والتي نسبتها ((34%)) فستكون هي فئة الشباب، أي أن عبء الإعالة والرعاية سيكون كبيرا على شباب المستقبل، والحقيقة أن مسؤولية رعاية المسن تقع بالدرجة الأولى على الأبناء ذلك لأننا مجتمع مسلم فقد أمرنا الله برعاية الوالدين واحترامهما وتقديرهما والإحسان إليهما، وفي رعايتهما إرضاء لله تعالى، وفيه الأجر الكبير فقد قال الله تعالى (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (سورة الإسراء )آية 23).
ويقصد برعاية المسن توفير المسكن الملائم، ورعايته بين أفراد أسرته فلا يجوز عزله بأي صورة من الصور، كما يجب توفير الرعاية الصحية له، والنفسية والاجتماعية، وتلك الرعاية تتطلب إمكانيات مادية ووقتا وجهدا وخبرة بالرعاية، فمن المحمود مساعدة الشباب وتقديم الدعم المادي لهم، والدعم الفني بإشراكهم في برامج تدريبية وتوعوية حول طرق رعاية المسن، وذلك في سبيل إعانتهم على رعاية آبائهم في المنزل بين أسرهم، بدلا من رعايتهم في المستشفيات أو لا قدر الله الاضطرار لأخذهم لدور رعاية المسنين.
وتقوم حكومات دول الخليج العربي بجهود كبيرة لرعاية المسنين وتقدم الدعم للأسرة الراعية للمسن، وذلك من خلال الوزارات المختصة بالتنمية الاجتماعية، وتتمثل هذه الخدمات في توفير الأجهزة المعينة، وتقديم الدعم المادي، وتوفير برامج مساندة مثل برنامج جليس المسن، والأندية والمجالس العامة النهارية لهم، وبرامج تحسين جودة حياة المسن وغيرها من الخدمات، ومع زيادة عدد المسنين ستزيد الحاجة لتمويل خدمات المسنين، لذا لا بد من التفكير في مصادر أخرى لتمويل رعاية المسنين بهدف زيادة التمويل، وأرى أن الوقف الخيري من المصادر المهمة لتمويل احتياجات المسنين التي يمكن الاعتماد عليها.
يرى الكثير من الواقفين أن أفضل أنواع الوقف الخيري يكون على الرعاية الدينية كبناء المساجد، ورعايتها وصيانتها، أو تمويل رحلات الحج والعمرة وتفطير الصائمين، أو حفر آبار المياه، وهذا أمر صحيح لا شك فيه، ولكن هناك مجال آخر للوقف الخيري فيه أجر كبير وهو الوقف على قضاء حوائج الناس، وكما تعلمون أن في قضاء حوائج المسلمين أجرا كبيرا، وهنا كم نتمنى أن يوقف الواقفون عقارات ويتم استثمارها بإحدى طرق الاستثمار كالإيجار مثلا ويخصص ريعها ومنفعتها لدعم الأسر الراعية للمسن، ويسهم في تمويل المستشفيات والمصحات، والبرامج المعنية برعاية المسنين، فمثلا يساعد الأسر في توفير أجهزة معينة للمسنين مثل الكراسي المتحركة، والأسرة الطبية، وتهيئة المساكن لتكون مناسبة لهم مثل توفير المنحدرات، والمصاعد، والمقابض وغيرها، وتوفير خادم أو ممرض بالمنزل لمساعدة الأسرة على رعاية المسن في المنزل، والمساهمة في تحمل كلفة علاج المسن، وليس هذا فحسب بل تمويل الأقسام المختصة بعلاج المسنين في المستشفيات كتمويل شراء الأجهزة الطبية وذلك لضمان الرعاية الصحية. فدعونا نعمل لبناء مستقبلنا في الكبر، فنشجع الواقفين على تخصيص أوقافهم لصالح رعاية المسنين، وندعم خطط وبرامج رعاية المسنين، فزرعنا اليوم سنحصده غدا عندما نصبح من المسنين… ودمتم أبناء قومي سالمين.
المصدر: الوطن