المدينة الرقمية لكبار السن في الدول العربية

أحكام صيام المسنين (الجزء الثانى)

المبحث الثاني : فدية إفطار المسن

وفيه سبعة مطالب:

  1. المطلب الأول : حكم فدية إفطار المسن.
  2. المطلب الثاني : نوع فدية إفطار المسن ومقدارها.
  3. المطلب الثالث: وقت بذل الفدية.
  4. المطلب الرابع : صفة بذل الفدية.
  5. المطلب الخامس: ما يترتب على تأخير الفدية حتى دخول رمضان آخر.
  6. المطلب السادس : الصيام عن المسن.
  7. المطلب السابع : إعسار المسن عن دفع الفدية.

المطلب الأول : حكم فدية إفطار المسن :

إذا لم يستطع المسن الصوم، أو شق عليه ذلك مشقة شديدة، فأفطر؛ هل يجب عليه الفدية بدلاً عن الفطر أو لا شيء عليه؟

اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين:

القول الأول: تجب الفدية على المسن الذي أفطر بسبب العجز عن الصوم، أو بسبب المشقة، وإلى هذا ذهب جماهير العلماء، الحنفية، والشافعية على الصحيح من مذهبهم، والحنابلة، وبه قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وابن عباس، وأبو هريرة، وأنس بن مالك من الصحابة رضي الله عنهم، وهو قول سعيد بن جبير والثوري والأوزاعي وطاووس -رحمهم الله-.

القول الثاني: لا تجب الفدية على المسن الذي أفطر بسبب العجز عن الصوم، أو بسبب المشقة، وإلى هذا ذهب المالكية، والشافعية في قول، والظاهرية، وهو قول مكحول، وربيعة، وأبي ثور، وابن المنذر -رحمهم الله-.

وقال المالكية باستحباب الفدية للمسن المفطر.

الأدلـة:

استدل أصحاب القول الأول القائلون بوجوب الفدية على المسن المفطر بأدلة من الكتاب والسنة والأثر والإجماع والمعقول:

أ- من الكتاب:

قولـه سبحانه وتعالى {.. فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } .

وجه الاستدلال: أستدل بهذه الآية الكريمة على وجوب الفدية على المسن المفطر من ثلاثة أوجه:

الأول: ما ثبت من تفسير عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال إنها مخصوصة بالشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصيام فيجوز له الإفطار، ويفدي عن كل يوم مسكيناً.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: «ليست بمنسوخة، هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكيناً».

وبناء على هذا الوجه فقد فسرت الآية الكريمة على ثلاثة تفسيرات:

أ-    على قراءة «يُطوَّقونه»بفتح الطاء وتشديد الواو مبنياً للمفعول فخففت الطاء، من طوق بضم أوله على وزن قطع، أي يُكلَّفونه على مشقة فيه وهم لا يطيقونه لصعوبته فعليهم الإطعام.

وبناء على هذا فالشيخ الكبير إذا لحقته مشقة شديدة في الصيام يجوز له الفطر ويجب عليه إخراج الفدية.

ب-   أن معنى الآية الكريمة على قراءة رسم المصحف «يطيقونه» أي يقدرون عليه مع تحمل المشقة، وذلك لأن الطاقة هي الإتيان بالشيء مع الشدة والمشقة، بخلاف الوسع فهو القدرة على الشيء على وجه السهولة.

ج-   على تقدير حرف «لا» النافية، فيكون المعنى: وعلى الذين لا يطيقونه، فدية، وهذا له نظائر وردت في القرآن الكريم، كما في قولـه تعالى: {قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ }  أي: لا تفتأ تذكر يوسف.

وقوله تعالى: {… يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ …}  أي: لئلا تضلوا.

وقد نوقش هذا الوجه من الاستدلال بأن الآية الكريمة منسوخة، وقد ثبت القول بالنسخ عن عدد من الصحابة ومنهم عبد الله بن عمر، وسلمة بن الأكوع، وعليه فلا يصح الاستدلال بأية منسوخة.

وأجيب بأن النسخ عند المتقدمين من الصحابة وغيرهم أعم مما اصطلح عليه المتأخرون، فالنسخ عند المتقدمين قد يكون بمعنى التخصيص، وعليه فالمراد بالنسخ على قول ابن عمر وسلمة بن الأكوع -رضي الله عنهم- تخصيص الآية على المسنين ومن في حكمهم ممن لا يطيقون الصيام، أو يطيقونه بمشقة شديدة جمعاً بين الأدلة.

قال العلامة ابن القيم -رحمه الله تعالى-: «ومراد عامة السلف بالناسخ والمنسوخ رفع الحكم بجملته تارة وهو اصطلاح المتأخرين، ورفع دلالة العام والمطلق والظاهر وغيرها تارة، إما بتخصيص أو تقييد أو حمل مطلق على مقيد وتفسيره وتبيينه».

الثاني: أن المراد بالذين «يطيقونه» هم من كانوا يطيقون الصوم في شبابهم من المسنين، ثم عجزوا عنه لما كبروا فعليهم الإطعام عن ذلك.

الثالث: أن الله تعالى جعل الفدية في هذه الآية الكريمة معادلة للصوم في أول الأمر لماَّ كان الناس مخيرين بين الصوم والفدية، فلما تعذر أحد البدلين ثبت الآخر، أي لما تعذر الصوم ثبتت الفدية، وذلك لأن الله –تعالى- لما جعل الفدية عديلاً للصوم في مقام التخيير،دل ذلك على أنها تكون بدلاً عنه في حالة تعذر الصوم، وذلك لمَّا يكون المكلف لا يستطيع الصوم كالمسن ومن في حكمه.

ب- من السنة:

1-    ما سبق ذكره من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال إن الآية الكريمة ليست بمنسوخة وأنها خاصة بالشيخ الكبير والشيخة العجوز لا يقدران على الصيام فيفطران ويطعمان عن كل يوم مسكيناً.

2-حديث معاذ بن جبل – رضى الله عنه – قال: إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قدم المدينة فصام يوم  عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر، ثم إن الله عز وجل فرض شهر رمضان فأنزل الله تعالى ذكره: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ … }حتى بلغ   {… وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ …} فكان من شاء صام، ومن شاء أفطر وأطعم مسكيناً، ثم إن الله -عز وجل- أوجب الصيام على الصحيح المقيم، وثبت الإطعام للكبير الذي لايستطيع الصوم، فأنزل الله عز وجل: {… فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ … } .

وجه الاستدلال من هذين الحديثين أنهما يفيدان ثبوت حكم الفطر وجوب الفدية على المسن الذي لا يستطيع الصوم.

ونوقش هذا الاستدلال بأنه قد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما خلاف ذلك وأن الآية منسوخة، وثبت عن غيره من الصحابة أن الآية منسوخة.

ويمكن أن يجاب عن هذه المناقشة بأن المراد بقول الصحابة أن الآية منسوخة أي أنها مخصوصة، وهذا لا ينفي ما ثبت من حكمها في حق المسن العاجز ومن في حكمه كما إن الثابت المشهور عن بن مسعود أن الآية غير منسوخة كما سبق بيانه. وبغض النظر عن كون الآية منسوخة أو محكمة، فإن هذين الحديثين يثبتان حكم الفدية على المسن المفطر، إما بدلالة الآية عليه واستدلال ابن عباس ومعاذ رضي الله عنهم بها، أو بثبوت ذلك كحكم مستقل ثابت بالسنة، وذلك لأن ما قالاه له حكم الرفع، إذ لا يمكن أن يقولا مثل ذلك برأيهما.

ج- من الأثر:

ما ثبت عن أنس بن مالك – رضي الله عنه –  أنه لما كبر ولم يستطع الصوم فأفطر أطعم عن كل يوم مسكيناً.

وجه الاستدلال: أن عمل أنس – رضي الله عنه –  مع ما روي عن غيره من الصحابة كعلي وعبدالله بن عمر وابن عباس من القول بذلك يدل على وجوب الفدية على المفطر المسن، ولاسيما وأن ذلك كان بمحضر من الصحابة ولم يعرف لهم مخالف.

ونوقش هذا الاستدلال من وجهين:

الأول: أن أنس بن مالك – رضي الله عنه –  قد خالفه غيره من الصحابة، وابن عباس -رضي الله عنهما- قد روي عنه خلاف ذلك وأن الآية الكريمة منسوخة مع ما ثبت القول بذلك عن سلمة بن الأكوع وعبد الله بن عمر -رضي الله عنهم-، وعليه فلا يصح دعوى الإجماع مع وجود هؤلاء المخالفين، ثم إن قول بعض الصحابة ليس بحجة على الآخرين منهم، فلا يصح الاستدلال.

ويمكن أن يجاب عن هذه المناقشة بأن القول بعدم وجوب الفدية على المسن العاجز عن الصوم لم يثبت عن هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم، والثابت عن عبد الله بن عمر وسلمة بن الأكوع أنهما قالا أن الآية الكريمة منسوخة، والقول بنسخ الآية لا يعني بالضرورة عدم وجوب الفدية على المسن المفطر، وذلك لاحتمال أن يكون المراد بالنسخ التخصيص، فالأولى المصير إلى ذلك جمعاً بين الأدلة، ولثبوت وجوب الفدية بالسنة كحكم مستقل، بغض النظر عن كون الآية محكمة أم منسوخة. كما إن الثابت المشهور عن بن عباس أن الآية غير منسوخة.

الثاني: أنه يحتمل أن يكون قد فعل أنس – رضي الله عنه –  ذلك استحباباً لا وجوباً.

ويجاب عن هذه المناقشة بأن الأقرب الوجوب، ويعضد ذلك ما سبق من الأدلة.

د- من الإجماع:

أن وجوب الفدية على المسن المفطر ثابت عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم قولاً وفعلاً، ولم يعرف لهم مخالف منهم فكان إجماعاً لا يسع مخالفته.

قال أبوبكر الجصاص -رحمه الله تعالى-: «وقد ذكرنا قول السلف في الشيخ الكبير وإيجاب الفدية عليه في الحال من غير خلاف أحد من نظرائهم، فصار إجماعاً لا يسع خلافه».

وقال الكاساني -رحمه الله تعالى-: «وما قاله مالك خلاف إجماع السلف، فإن أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم –   أوجبوا الفدية على الشيخ الفاني».

وقال الماوردي -رحمه الله تعالى-:«ويدل على ما ذكرناه -أي من وجوب الفدية- إجماع الصحابة، وهو ما روي عن علي بن أبي طالب وعمر بن الخطاب وعبد الله بن عمر وابن عباس رضي الله عنهم أنهم قالوا: الهِمُّعليه الفدية إذا أفطر، وليس لهم في الصحابة مخالف».

ونوقش هذا الاستدلال بأنه لا يصح دعوى الإجماع؛ وذلك لوجود الخلاف بين الصحابة ولما ثبت من بعضهم من القول بنسخ الآية الموجبة للفدية كما ثبت ذلك عن    سلمة بن الأكوع وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم، ولما ثبت من الخلاف في ذلك بين كبار الأئمة، فلا يصح دعوى الإجماع مع وجود هذا الخلاف.

قال العلامة ابن عبد البر -رحمه الله تعالى-: «وأما الفدية فلم تجب بكتاب مجتمع على تأويله ولا سنة يفقهها من تجب الحجة بفقهه، ولا إجماع في ذلك عن الصحابة، ولا عن من بعدهم».

ويمكن أن يجاب عن هذه المناقشة بأن وجود الخلاف بين الصحابة رضي الله عنهم في ذلك ليس صريحاً، والخلاف بينهم إنما هو في كون الآية الكريمة الموجبة للفدية منسوخة أم محكمة، ولا تلازم بين القول بنسخ الآية والقول بوجوب الفدية على المسن المفطر، ولعل هذا يفسر وجود قولين عن بعض الصحابة كابن عمر رضي الله عنهما، قول بنسخ الآية وفسر على أنه قول بعدم وجوب الفدية، وقول بوجوبها.

هـ- من المعقول:

1-    أن الصوم لما فات المسن العاجز مست الحاجة إلى الجابر، وقد تعذر جبره بالقضاء لعدم قدرته، فجعلت الفدية مثلاً للصوم شرعاً في هذه الحالة للضرورة، كما تجعل القيمة مثلاً في ضمان المتلفات بجامع تعذر الإتيان بالمثل في الحالتين.

2-    أنه صوم واجب فجاز أن يسقط إلى بدل وهو الإطعام كما يسقط الصوم بالإطعام في كفارة الظهار.

3-    ولأن أداء الصوم واجب فجاز أن يسقط إلى الكفارة كالقضاء

واستدل أصحاب القول الثاني القائلون بعدم وجوب الفدية على المسن المفطر للعجز أو المشقة الشديدة بأدلة من السنة والمعقول:

أ- من السنة:

1-    ما ثبت من حديث عبد الله بن عمر – رضي الله عنه – أنه قرأ «فدية طعام مساكين» قال: هي منسوخة.

2-    ما ثبت من حديث سلمة بن الأكوع – رضي الله عنه –  قال: ولما نزلت: {… وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ …}  كان من أراد أن يفطر ويفتدي، حتى نزلت الآية التي نزلت بعدها فنسختها.

وجه الاستدلال من الحديثين: أن الفدية كانت حكماً خاصاً لمن كان يفطر ولا يصوم، ونسخ، فلا يجب على الشيخ المسن الذي يجوز له الفطر شيء بثبوت نسخ الآية المثبتة للفدية.

ونوقش هذا الاستدلال بأنه قد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما بأن الآية غير منسوخة بل هي خاصة بالشيخ الكبير الذي يعجز عن الصوم، وعليه فيحمل قول ابن عمر وسلمة بن الأكوع رضي الله عنهم على التخصيص، حيث يطلق على التخصيص نسخ في اصطلاح المتقدمين، جمعاً بين الأدلة، والحق أنه لا تلازم بين القول بنسخ هذه الآية الكريمة والقول بعدم وجوب الفدية لثبوت الفدية بأدلة أخرى وعدم التسليم بالنسخ الكامل الذي يعني رفع الحكم من كل وجه.

ب- من المعقول:

1-    أن المسن المفطر معذور فلا تجب عليه الفدية لعجزه عن ذلك كالمسافر والمريض، ولا قضاء عليه لأنه لا يتمكن من القضاء لعجزه المستمر.

       ويمكن أن يجاب عنه بأن هناك حكماً ثالثاً وهو الفدية، فيجب الأخذ به، لأن الفدية بدل عن الصيام، ولا يصح قياس المسن العاجز على المسافر والمريض، لأنه قياس مع النص فلا يصح.

2-    أن المسن في هذه الحالة عاجز عن الصيام، والله –تعالى- لم يوجب الصيام على من لا يطيقه، لأنه لم يوجب فرضاً إلا على من أطاقه، والعاجز عن الصوم كالعاجز عن القيام في الصلاة، فلا يجب عليه شيء لأن الله -تعالى- لم يوجب عليه شيئا.

3-    أن الفدية لم تجب بكتاب مجتمع على تأويله، ولا سنة يفقهها من تجب الحجة بفقهه، ولا إجماع في ذلك عن الصحابة، ولا عن من بعدهم، والفرائض لا تجب إلا من هذه الوجوه وذمة المسن بريئة فلا تجب عليه الفدية.

4-    أن مال المسن في هذه الحالة حرام ولا يجوز إيجاب شيء عليه ما لم يوجبه الله ورسوله، ولا يوجد دليل على وجوب الفدية عليه فلا تجب.

       ويمكن أن تناقش هذه الأدلة بأنها في حقيقتها مطالبة بالدليل، وقد ذكر أصحاب القول الأول الأدلة على ذلك من الكتاب، والسنة، والأثر، والمعقول، والإجماع، فيجب الأخذ بها والمصير إليها.

       واستدل المالكية لقولهم باستحباب الفدية للمسن المفطر بما سبق ذكره من أثر أنس – رضي الله عنه – وحملوه على الاستحباب.

الترجيح:

والراجح – والله تعالى أعلم – هو القول بوجوب الفدية على المسن المفطر الذي أفطر بسبب العجز عن الصوم أو بسبب المشقة الشديدة، وذلك لما يلي:

1-    لقوة أدلة هذا القول وسلامتها من المناقشة المؤثرة عليها.

2-    لضعف أدلة القول المخالف، وهي في جملتها مطالبة بالدليل وقد ذكر أصحاب القول الأول الأدلة على الوجوب فيجب الأخذ بها.

3-    أن القول بعدم وجوب الفدية مبني على القول بنسخ الآية الموجبة للفدية، ولا تلازم بين القول بالنسخ وبعدم وجوب الفدية، لثبوتها بالسنة الصحيحة.

4-    أن في هذا القول جمعاً بين الأدلة، وذلك لأن القائلين بعدم وجوب الفدية بنوا قولهم على قول ابن عمر وسلمة بن الاكوع رضي الله عنهم بنسخ الآية، وهذا يتعارض مع قول ابن عباس -رضي الله عنهما- الصريح بعدم النسخ وتخصيص الآية بالمسن المفطر ومن في حكمه، وإذا كان الأمر كذلك، فلا يبقى إلا الجمع وحمل القول بالنسخ على التخصيص كما هو مصطلح المتقدمين.

5-    أنه على فرض التسليم بوجود الخلاف بين الصحابة في نسخ الآية من عدمه فلا يقدم أحد القولين على الآخر إلا بمرجح، وقد ترجح عدم النسخ، وهو قول ابن عباس للأدلة الأخرى الموجبة للفدية كما تقدم، كما أن القول بعدم النسخ هو قول أكثر أهل العلم.

 

المطلب الثاني : نوع فدية إفطار المسن ومقدارها :

ما مقدار فدية المسن؟ وما نوعها؟ وهل يشترط فيها أنواع معينة من الطعام أو يجزئ فيها قوت أهل البلد أيا كان نوعه؟

اختلف العلماء في المذاهب الأربعة في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:

القول الأول: أن فدية إفطار المسن مُدٌّ من طعام عن كل يوم إفطار، سواء كان الطعام براً أم شعيراً أم تمراً، أم غيرها من أقوات بلد المسن المفطر، وإلى هذا ذهب المالكية، والشافعية، وهو قول طاووس، وسعيد ابن جبير، والثوري، والأوزاعي -رحمهم الله تعالى.

القول الثاني: أن فدية إفطار المسن مد من البر أو نصف صاع من التمر أو الزبيب أو الشعير، وإلى هذا ذهب الحنابلة.

القول الثالث: أن فدية إفطار المسن نصف صاع من البر أو صاع من الشعير أو التمر، وإلى هذا ذهب الحنفية.

الأدلـة:

استدل أصحاب القول الأول القائلون بأن مقدارها مد من الطعام بدليلين من الأثر:

أ- من الأثر:

1-    ما روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال في فدية إفطار المسن: إنها مد من البر.

2-    ما روي عن أبي هريرة – رضي الله عنه –  أنه قال: «المسن المفطر يصدق عن كل يوم بمد».

وجه الاستدلال من الأثرين أنهما حددا فدية إفطار المسن بالمد من البر كما هو أثر ابن عباس أو مد من غير تحديد النوع فيشمل أنواع الطعام كما هو أثر أبي هريرة، فدل أن ذلك قدره من جميع الأطعمة.

ويمكن أن يناقش هذا الاستدلال بأنه قد صح عن ابن عباس -رضي الله عنهما- بأن قدر الفدية نصف صاع أو مدان من الطعام، وهذا يتعارض مع تحديد مقدار الفدية بمد من الطعام.

واستدل أصحاب القول الثاني القائلون بأن قدرها مد من بر أو نصف صاع من التمر أو الزبيب أو الشعير بدليل من المعقول: وهو أن كفارة الجماع في نهار رمضان مد من بر أو نصف صاع من غيره فيقاس عليه فدية المسن بجامع أن كلاً منهما جابر للنقص.

وقد فرق الحنابلة بين البر وغيره من الأطعمة في الفدية والكفارات، لأن مد البر يقوم مقام نصف صاع من غيره.

واستدل أصحاب القول الثالث القائلون بأنها نصف صاع من البر أو صاع من غيره من الأطعمة أيضاً بدليل من المعقول: وهو أن صدقة الفطر نصف صاع من البر أو صاع من التمر أو شعير فيقاس عليه فدية المسن بجامع أن كل واحد منهما طعام واجب.

ويمكن أن تناقش هذه الأدلة بعدم التسليم؛ لأنها قياس على مسائل مختلف فيها بين المذاهب، فهي لا تصلح دليلاً مسلماً به للقياس عند المخالفين.

الترجيح:

ولعل الراجح – والله تعالى أعلم – هو أن مقدار فدية إفطار المسن نصف صاع من البر أو ما يعادله من الأطعمة الأخرى من أقوات بلد المسن المفطر، وذلك لما صح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في ذلك: «هو الشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصيام فيفطر ويطعم عن كل يوم نصف صاع من حنطة».

وفي رواية أخرى: «إذا عجز الشيخ الكبير عن الصيام أطعم عن كل يوم مداً مداً».

أي: مدان، وهو نصف صاع. ففي الأثر الأول نص على الحنطة وفي الثاني اطلق وذكر مدين.

وهذا الأثر – والله أعلم – له حكم الرفع، وذلك لأن ابن عباس رضي الله عنهما قاله في حكم الآية هل هي منسوخة أو محكمة، وهو كذلك تفسير حبر الأمة وأعلم الناس بتفسير كتاب الله بعد النبي – صلى الله عليه وسلم –  ، فهو حجة في هذه المسألة وفي حكم النص، وأما ما استدل به أصحاب الأقوال الأخرى فهو في الغالب قياس على أحكام الكفارات في مواضع أخرى، ولا قياس مع النص.

 

المطلب الثالث : وقت بذل الفدية :

ما وقت بذل فدية إفطار المسن؟ هل تبذل فدية كل يوم بيومه؟ أو تبذل في نهاية الشهر جملة واحدة، وهل تبذل جملة واحدة في بدايته؟ وما الحكم إذا أخرها إلى  ما بعد خروج شهر رمضان؟ وهل يصح تقديمها على دخول شهر رمضان؟ وبيان هذا في المسائل الآتية:

المسألة الأولى: حكم إخراج الفدية جملة واحدة في نهاية الشهر أو إخراج فدية كل يوم بيومه.

المسالة الثانية: تقديم الفدية على دخول شهر رمضان.

المسألة الثالثة: تقديم الفدية جملة واحدة عن جميع رمضان في بدايته وتقديم فدية كل يوم بيومه.

المسألة الرابعة: تأخيرالفدية إلى ما بعد رمضان.

المسألة الأولى : حكم إخراج الفدية جملة واحدة  في نهاية الشهر أو إخراج فدية كل يوم بيومه :

يمكن القول أنه لا خلاف بين أصحاب المذاهب الثلاثة القائلين بوجوب فدية الإفطار على المسن في أنه بالخيار بين أن يخرج فدية كل يوم بيومه أو يخرجها جملة واحدة في نهاية الشهر.

وذلك لأن الحنفية صرحوا بهذا..

قال ابن عابدين -رحمه الله تعالى-: «وللشيخ الفاني.. العاجز عن الصوم الفطر، ويفدي وجوباً ولو في أول الشهر، أي يخير بين دفعها في أوله أو آخره».

وهو مذهب الشافعية، لأنهم صرحوا بجواز إخراج فدية كل يوم بيومه.، وبأنه لا شيء على المسن حتى لو أخر الفدية عن السنة الأولى.

قال النووي -رحمه الله تعالى-: «اتفق أصحابنا على أنه لا يجوز للشيخ الكبير العاجز تعجيل الفدية قبل دخول رمضان، ويجوز بعد طلوع فجر كل يوم».

وقال الشربيني -رحمه الله تعالى-: «ولا شيء على الهرم ولا الزمن ولا من اشتدت مشقة الصوم عليه لتأخير الفدية إذا أخروها عن السنة الأولى».

ومفهوم هذا النص أنه إذا أخرها حتى نهاية الشهر جاز له، فيجوز دفعها في نهاية الشهر.

وهو مفهوم كلام الحنابلة.

قال المرداوي -رحمه الله تعالى-: «يجوز صرف الإطعام إلى مسكين واحد جملة واحدة بلا نزاع، قال في «الفروع» وظاهر كلامهم إخراج الإطعام على الفور لوجوبه، قال: وهذا أقيس. انتهى. قلت فقد تقدم في أول باب إخراج الزكاة، أن المنصوص عن الإمام أحمد لزوم إخراج النذر المطلق والكفارة على الفور، وهذا كفارة».

فهذا تصريح بجواز دفع الفدية جملة لفقير واحد، وأنها تجب على الفور، ويفهم من هذا أن معنى الفورية عندهم هو أن تدفع خلال الشهر أو في نهايته؛ إذ لو كان معنى الفورية عندهم دفع فدية كل يوم بيومه لم يجز دفعها جملة واحدة لفقير واحد، ولا يقال إن مفهوم الفورية عندهم دفعها جملة واحدة في بداية الشهر؛ وذلك لأنهم عللو الفورية بأنها فدية واجبة، ولا تجب فدية كل يوم إلا بعد إفطاره، فلا يبقى إلا أن يقال إن رمضان بجملته ظرف واحد لتحقق الفورية عندهم.

ويدل لمحل اتفاق المذاهب الثلاثة ما صح عن أنس بن مالك – رضي الله عنه –  أنه لما كبر وعجز عن الصيام صنع طعاماً من خبز ولحم وجمع مساكين وأطعمهم.

 

المسألة الثانية : تقديم الفدية على دخول شهر رمضان :

يمكن القول أنه لا خلاف بين العلماء القائلين بوجوب الفدية على المسن المفطر أنه لا يصح تقديمها على دخول رمضان، وذلك لأن الشافعية نصوا على هذا، وهو مفهوم قول الحنفية، ومقتضى مذهب الحنابلة وقياسه.

قال النووي -رحمه الله تعالى-: «اتفق أصحابنا على أنه لا يجوز للشيخ الكبير العاجز تعجيل الفدية قبل دخول رمضان».

وهو مفهوم مذهب الحنفية؛ لأنهم يرون أن وقت دفع الفدية شهر رمضان الذي يعجز المسن عن صيامه.

قال ابن نجيم -رحمه الله تعالى-: «… إن شاء أعطى الفدية في أول رمضان بمرة، وإن شاء في آخره بمرة».

وهو أيضاً مقتضى مذهب الحنابلة، وقياس قولهم في كفارة الظهار.

وأما أنه مقتضى مذهبهم؛ فلأنهم يرون أن الفدية بدل عن الصوم، ولاشك أن الصيام قبل دخول رمضان لا يجزيء عنه، فكذلك لا يجزئ أداء بدله قبل دخوله، لأن البدل له حكم المبدل.

قال العلامة ابن عثيمين -رحمه الله تعالى-: «ووقته – أي الإطعام – بالخيار إن شاء فدى عن كل يوم بيومه، وإن شاء أخر إلى آخر يوم لفعل أنس – رضي الله عنه – وهل يقدم قبل ذلك؟ لا يقدم؛ لأن تقديم الفدية كتقديم الصوم، فهل يجزئ أن تقدم الصوم في شعبان؟ الجواب: لا يجزئ». وهو قياس قولهم في كفارة الظهار؛ لأنهم يرون عدم صحة تقديم كفارة الظهار عليه.

قال ابن قدامة -رحمه الله تعالى-: «ولا يجوز تقديم كفارة الظهار قبله؛ لأن الحكم لا يجوز تقديمه على سببه».

فإذا كان لا يجوز عندهم تقديم كفارة الظهار عليه فلا يجوز تقديم فدية إفطار المسن على دخول رمضان، بجامع أن كل واحد منهما كفارة.

قال المرداوي -رحمه الله تعالى في معرض بيانه لوقت الإطعام في فدية إفطار المسن -: «… أن المنصوص عن الإمام أحمد لزوم إخراج النذر المطلق والكفارة على الفور، وهذا كفارة». أي: الإطعام عن فدية إفطار المسن كفارة.

ويدل لمحل اتفاقهم هذا بما يلي:

1-    أن تقديم الفدية على دخول شهر رمضان تقديم لها على سبب وجوبه فلم يصح.

2-    أنه لا يصح تقديم أداء الفدية على دخول رمضان، كما لا يصح الصيام عن رمضان قبل دخوله.

المسألة الثالثة : تقديم الفدية جملة واحدة عن جميع  رمضان في بدايته وتقديم فدية كل يوم قبل طلوع فجره :

اختلف أهل العلم في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:

القول الأول: لا يصح تقديم فدية إفطار المسن على سبب وجوبها، أي لا يصح إخراجها في بداية رمضان جملة واحدة، وكذلك لا يصح تقديمها قبل طلوع الفجر من اليوم الذي يريد أن يفطره، وإلى هذا ذهب الشافعية في قول.

وهو قياس مذهب الحنابلة في كفارة الظهار، وذلك لأنهم يرون عدم صحة تقديم كفارته عليه، والفدية تعتبر كفارة عندهم.

القول الثاني: التفريق بين تقديم فدية اليوم قبل طلوع فجره وبين تقديم فدية شهر رمضان بكامله وإخراجها في بداية الشهر جملة فيجوز الأول ولا يجوز الثاني، وهذا قول عند الشافعية.

القول الثالث: صحة تقديم فدية كل يوم عليه، أو أن تدفع جملة واحدة في بداية الشهر، وإلى هذا ذهب الحنفية.

الأدلـة:

لم يذكر الشافعية لقولهم بعدم صحة تقديم الفدية على الفطر دليلاً فيما اطلعت عليه، وأما الحنابلة فاستدلوا لقولهم بالقياس على عدم صحة تقديم كفارة الظهار.

ويمكن أن يستدل لهذا القول أيضاً بما يلي:

1-    أنه لا يجزئ تقديم فدية كل يوم على فطره بعد دخول رمضان، كما لا يجزئ تقديم الفدية قبل دخول رمضان بجامع أن التقديم في كل من الحالتين تقديم على سببه، إذ إن سبب وجوب صوم رمضان دخول الشهر، وسبب وجوب الفدية العجز عن الصوم.

2-    أن وجوب الفدية على المسن وإجزاءها عنه مشروط باستمرار موجب الفطر، وهو العجز عن الصيام أو مشقته على المسن، والمسن يحتمل أن يقدر على الصيام في بعض أيام الشهر إذ إن عجزه نتيجة ضعف بدني للكبر ومثل هذا قد ينشط أحياناً والواقع يشهد لذلك، فلا يصح إخراج الفدية مع احتمال فوات شرط إجزائه، وهو استمرار العجز.

واستدل أصحاب القول الثاني لقولهم بجواز تقديم فدية اليوم قبل طلوع فجره بالقياس على إخراج الزكاة قبل وقته ولم أجد دليلاً -فيما اطلعت- لقولهم بعدم تقديم فدية الشهر جملة، ولعلهم يرون أن ذلك تقديم للحكم قبل سببه كما استدل به أصحاب القول الأول.

ويمكن أن يناقش استدلالهم بالقياس على تعجيل الزكاة بوجود الفرق بين الزكاة وبين الفدية، وذلك لأن الزكاة تخرج عن مال موجود، وأما الفدية إذا أخرجت قبل الفطر كانت عن شيء غير موجود وهو الفطر فلا يصح.

وأما أصحاب القول الثالث القائلون بصحة إخراجها عن كل يوم قبل طلوع فجره، وعن شهر رمضان جملة واحدة في بدايته فلم أجد لهم دليلاً لقولهم –فيما اطلعت عليه-، ولعلهم يرون ذلك قياساً على جواز تعجيل صدقة الفطر قبل يوم الفطر وعلى جواز إخراجها في بداية الشهر عندهم، بجامع أن كلاً منهما حق مالي، وذلك لأنهم يقيسون هذه الفدية في غالب أحكامها على صدقة الفطر.

ويمكن أن يناقش هذا الاستدلال بأن هناك فرقاً بين التعجيلين – على فرض التسليم بجواز تعجيل صدقة الفطر في بداية رمضان – وذلك لأن تعجيل صدقة الفطر على يوم الفطر ليس من باب تعجيل الحكم على سببه، وذلك لأن دخول يوم الفطر ليس سبباً لوجوب صدقة الفطر عند الحنفية، بل السبب عندهم وجود من تلزمه الزكاة سواء لنفسه أو لمن تلزمه مؤنته، فهو عندهم من باب تعجيل الزكاة بعد إكمال النصاب وقبل حولان الحول، وأما تعجيل الفدية في هذه الحالة فهي من باب تعجيل الحكم على سببه فلا يصح.

 

الترجيح:

ولعل الراجح – والله تعالى أعلم – هو القول الأول، وهو عدم صحة تقديم الفدية على الفطر مطلقاً، سواء كان ذلك تقديماً للفدية قبل طلوع فجر يومها، أو تقديمها في بداية رمضان جملة واحدة؛ لما يلي:

1-    أن مقتضى القول المخالف هو تقديم الحكم على سبب وجوبه فلا يصح.

2-    أن الفدية لا تجب إلا بالفطر، بدليل أن المسن لو تحمل المشقة وصام، لا تجب عليه الفدية عند الجميع، فلا يصح تقديم الفدية قبل وجوبها.

3-    أن صحة إخراج الفدية وإجزاءها عن الصوم مشروط بالعجز عنه فمن يخرج الفدية في بداية الشهر جملة واحدة لا يعلم أنه يظل عاجزاً إلى نهايته فلا يصح.

 

المسألة الرابعة : تأخير الفدية إلى ما بعد رمضان :

ما حكم تأخير المسن فدية إفطاره إلى ما بعد رمضان.

لأهل العلم في هذه المسألة قولان:

القول الأول: أن الفدية تجب على الفور، وعليه يجب إخراجها خلال شهر رمضان، ولا يجوز تأخيرها عن ذلك، وهذا ظاهر مذهب الحنابلة، وهو مفهوم قول الحنفية؛ حيث إنهم حددوا وقت إخراجها بشهر رمضان.

قال ابن عابدين -رحمه الله تعالى-: «يخير بين دفعها في أولـه أو آخره». ومفهوم هذا أنه لا خيار له في دفعها بعد نهاية الشهر.

القول الثاني: أن الفدية تجب على التراخي، وعليه فلا بأس بتأخيرها إلى رمضان آخر، وإلى هذا ذهب الشافعية.

الأدلـة:

استدل أصحاب القول الأول بدليلين عقليين:

1-    أنها حق واجب، فوجب إخراجها على الفور، وذلك يتأتى إذا أخرجها خلال شهر رمضان.

2-    أن فدية إفطار المسن كفارة من الكفارات، فوجب إخراجها على الفور كبقية الكفارات.

واستدل أصحاب القول الثاني بأن المسن لا قضاء عليه، فلا شيء في تأخير الفدية عليه.

ويمكن أن يناقش هذا الاستدلال بأنه لا مناسبة بين عدم وجوب القضاء وجواز تأخير الفدية، فلا يفيد الدليل حكماً.

الترجيح:

ولعل الراجح – والله تعالى أعلم – هو القول بوجوب أدائها خلال شهر رمضان؛ وذلك لأن الأمر المطلق يفيد الوجوب على الفور لا على التراخي، ولأن في هذا براءة لذمة المسن.

المطلب الرابع: صفة بذل الفدية :

سبق بيان مقدار الطعام الواجب إخراجه في فدية إفطار المسن، فما صفة إخراجه من حيث كونه مطبوخاً أو غير مطبوخ؟ ومن حيث عدد الوجبات هل هي واحدة أو أكثر؟

اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين:

القول الأول: أن إخراج الفدية يكون بطعام غير مطبوخ كما يجزئ الإطعام بإعداد وجبة العشاء أو الغداء المشبعة وتقديمها للمسكين ليأكلها، وإلى هذا ذهب الحنفية، والحنابلة في رواية، وهو قول أنس ابن مالك – رضي الله عنه –  من الصحابة، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال إنه مذهب أكثر السلف، وبه قال العلامتان عبد العزيز بن باز، ومحمد العثيمين-رحمهم الله تعالى جميعاً.

ثم إن هؤلاء القائلين بإجزاء الإطعام اختلفوا في القدر المجزيء من ذلك، فذهب جمهور أصحاب هذا القول إلى إجزاء وجبة واحدة مشبعة، وذهب الحنفية إلى أنه لابد من وجبتين مشبعتين.

القول الثاني: لا يجزيء المسن المفطر الإطعام بالوجبات المطبوخة، بل لابد من إخراج طعام غير مطبوخ من قوت البلد كالبر والشعير والتمر ونحوها، وإلى هذا ذهب الشافعية، والحنابلة على المذهب.

وأما المالكية فلم أجد لهم قولاً في هذه المسألة حسب -ما اطلعت عليه-، ولعل السبب في ذلك أنهم لا يرون وجوب الفدية أصلاً.

الأدلـة:

استدل أصحاب القول الأول بأدلة من الكتاب، والأثر والمعقول:

أ- من الكتاب:

قولـه سبحانـه وتعالى: {… وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ …} .

وجه الاستدلال: أن هذه الآية الكريمة التي هي أصل في وجوب فدية المسن المفطر نصت على الإطعام، وهي كلمة عامة يدخل فيها الإطعام بالوجبات المطبوخة دخولا أولياً، فدلت على جواز ذلك.

ب – من الأثر:

ما صح عن أنس بن مالك – رضي الله عنه –  أنه لما كبر أفطر وأطعم عن كل يوم مسكيناً خبزاً ولحماً.

وجه الاستدلال: أن أنساً – رضي الله عنه –  أفطر وصنع طعاماً للمساكين وأطعمهم فدل على أنه – رضي الله عنه – يرى إجزاءه فعل الصحابي معتبر في الاستدلال كما هو معلوم في أصول الفقه.

ج – من المعقول:

1-    أن الله -تعالى- أمر بالإطعام ولم يوجب التمليك، وهذا إطعام حقيقة فيجزئ من باب أولى.

2-    أن هذا إطعام للمسكين من طعام المفطر فأجزأه كما لو كان طعامُهُ براً فأطعمه منه.

ولم أجد للحنفية دليلاً -فيما اطلعت- على قولهم باشتراط وجبتين مشبعتين، ولعلهم يرون أن وجبة واحدة لا تكفي لإطعام يوم كامل فاشترطوا ذلك.

ويمكن أن يناقش ذلك بأنه لم يرد في الآية ولا في غيرها من الأدلة اشتراط الإطعام ليوم كامل فيؤخذ الأمر على إطلاقه، والإطعام يكفي لوجبة واحدة.

واستدل أصحاب القول الثاني القائلون بعدم إجزاء الإطعام بأدلة من المعقول.

1-    أن فدية إفطار المسن مقدرة بمد أو نصف صاع، فإذا أطعهم طعاماً جاهزاً فلا يعلم أن كل واحد من المساكين قد استوفى القدر الواجب له.

       ونوقش هذا الاستدلال بعدم التسليم بأن فدية إفطار المسن مقدرة بالشرع، وعلى فرض أنها مقدرة به فكل واحد منهم يستوفي حقه بالأكل إذا شبعوا.

       ويمكن أن يناقش أيضاً بأن تقدير الفدية بنصف صاع كما سبق ترجيحهإنما هو حال إخراج الفدية غير مطبوخة إذ إن الإشباع يختلف من شخص لآخر فإن كان الإطعام غير مطبوخ فيكون بقدر معين وهو نصف صاع وإن كان مطبوخاً فيكون قدر الإشباع لعموم ظاهر الآية في الإطعام.

2-    أن الواجب تمليك المسكين طعامه، والإطعام إباحة وليس بتمليك.

 ونوقش هذا الاستدلال بعدم التسليم بوجوب التمليك، بل الواجب الإطعام أو التمليك، بل الإطعام هو الأصل والتمليك قد يسمى إطعاماً ولذلك جاز.

الترجيح:

ولعل الراجح – والله تعالى أعلم – هو القول بإجزاء الإطعام لما يلي:

1-    أن الآية الكريمة الموجبة لفدية إفطار المسن نصت على طعام مسكين، وتقديم الوجبات المطبوخة للمساكين يسمى إطعاماً حقيقة فهو الأصل.

2-    ما صح من أثر أنس – رضي الله عنه – أنه أطعم المساكين لحماً وخبزاً عن إفطاره بسبب الكبر.

3-    لورود المناقشة المؤثرة على أدلة القول المخالف.

المطلب الخامس : ما يترتب على تأخير الفدية حتى دخول رمضان آخر :

ما الحكم إذا أخر المسن الفدية الواجبة عليه حتى دخل رمضان آخر؟ هل تجب عليه بهذا التأخير فدية أخرى كما تجب الفدية بتأخير قضاء رمضان حتى دخل رمضان آخر عند بعض أهل العلم أم ليس الأمركذلك؟

لم أجد لغير علماء الشافعية في هذه المسألة قولاً -فيما اطلعت عليه-، والشافعية عندهم وجهان في هذه المسألة:

الأول: أنه لا شيء عليه في ذلك، وهو المذهب.

الثاني: أنه تجب عليه فدية أخرى للتأخير، ووصف النووي هذا الوجه بأنه شاذ وضعيف.

وأما علماء الحنفية والحنابلة فلم أجد لهم قولاً في هذه المسألة –حسب ما اطلعت عليه-، ولكن مذهبهم يقتضي أن يكون لهم قولان فيها:

القول الأول: أنه يأثم بالتأخير إذا أخرها من دون عذر ولا فدية عليه، وهذا مقتضى مفهوم مذهب الحنفية في هذه المسألة؛ لأنهم صرحوا بأن للمسن الخيار بين أن يخرجها في بداية الشهر جملة واحدة، أو في نهايته، وهذا يعني أنهم يرون أنه لا خيار له في إخراجها بعد رمضان، فضلاً عن تأخيرها إلى دخول رمضان آخر، فإذا أخر يأثم لتأخير الواجب عن وقت أدائها.

وهو مقتضى ظاهر مذهب الحنابلة؛ لأن ظاهر مذهبهم أن فدية إفطار المسن تجب على الفور، فإذا أخرها عن وقتها بدون عذر فإنه يأثم بذلك.

القول الثاني: أنه لا شيء على المسن في تأخير الفدية حتى دخول رمضان آخر، وهذا قياس مذهب الحنفية، في كيفية وجوب قضاء رمضان، لأنهم يرون أن قضاء رمضان يجب على التراخي مطلقاً ، والفدية بدل عن صوم واجب فتقاس الفدية على القضاء بجامع أن الفدية والقضاء بدلان عن صوم واجب، وهو أيضاً قياس مذهبهم في كيفية وجوب صدقة الفطر؛ لأنها تجب عندهم على التراخي، بجامع أنهما حق مالي وجبا عبادة.

وبناء على هذا يتحصل في المسألة ثلاثة أقوال:

القول الأول: يأثم بتأخيرها عن وقتها، وهو شهر رمضان الذي أفطره، ولا فدية عليه وهذا مفهوم مذهب الحنفية في وقت وجوبها، ومقتضى ظاهر مذهب الحنابلة فيه.

القول الثاني: أنه لا شيء عليه إذا أخرها حتى دخل رمضان آخر، وهذا مذهب الشافعية، وقياس قول الحنفية في كيفية وجوب قضاء رمضان، وفي باب صدقة الفطر.

القول الثالث: تجب عليه فدية أخرى إذا أخرها حتى دخول رمضان آخر، وهذا وجه عند الشافعية، ووصف بأنه شاذ ضعيف.

الأدلـة:

استدل أصحاب القول الأول بأن الفدية واجبة فتجب على الفور، وبأنها كفارة من الكفارات فتجب على الفور كسائر الكفارات. فإذا أخرها عن وقتها أثم لمخالفته أمر الشارع ولا فديةً أخرى عليه لعدم الدليل الموجب لذلك.

وأما أصحاب القول الثاني القائلون بأنه لا شيء عليه بأن فدية التأخير مختصة بتأخير القضاء، ولا قضاء على المسن، فلا تجب فدية أخرى بتأخير الفدية.

ويمكن أن يناقش هذا الاستدلال بأن عدم إيجاب الفدية لا يعني عدم ترتب الإثم؛ لأن أداء الفدية في وقتها أمر واجب.

ولم أجد دليلاً للوجه القائل عند الشافعية بوجوب فدية أخرى على التأخير حتى دخول رمضان آخر –حسب ما اطلعت عليه-، ولعلهم قاسوا تأخير الفدية في هذه الحالة على تأخير القضاء حتى دخول رمضان آخر، لأنه تجب عندهم الفدية بتأخير قضاء رمضان حتى دخول رمضان آخر.

ويمكن أن يناقش هذا الاستدلال بأن الفدية في مثل هذه الحالة تعتبر واجبةً بالنص ولا سبيل في إيجابها بالقياس؛ لأن فيها معنى العبادة.

ثم إن الفدية تفارق القضاء، فالفدية مالية والقضاء عبادة بدنية.

الترجيح:

ولعل الراجح – والله تعالى أعلم – هو القول الأول القائل بعدم جواز تأخير الفدية عن وقتها، وهو رمضان الذي أفطر فيه المسن، لكون الفدية حقاً واجباً فلا يصح تأخيرها عن وقتها، وبناء عليه فمن أخرها عن وقتها أثم كتأخير سائر الواجبات عن وقتها، وأما إيجاب فدية أخرى من أجل التأخير فلا دليل عليه.

ولا يصلح قياس تأخير الفدية على تأخير القضاء على قول من يوجب فدية لتأخير القضاء؛ لأن الفدية واجبة بنص شرعي، ولم يوجب النصُ كفارةً عند التأخير، فلا يقاس على غيرها.

المطلب السادس : الصيام عن المســن :

سبق البيان أن الواجب على المسن العاجز عن الصيام دفع الفدية عن فطره، ولكن هل يجزئ أن يصوم أحد عن المسن الحي بدلاً عن الفدية، سواء كان قادراً على دفع الفدية أو عاجزاً؟ وهل يقوم الصوم عنه مقام الفدية فيسقط به الواجب؟

اتفق أهل العلم على عدم إجزاء الصيام عن المسن الحي إذا كان قادراً على دفع الفدية، على خلاف بينهم في وجوب الفدية كما سبق بيانه.

وقد نقل الإجماع على عدم إجزاء الصوم عن الحي عموماً ابن عبد البر والقاضي عياض رحمهما الله تعالى.

قال ابن عبد البر -رحمه الله تعالى-: «… وكذلك الصيام عن الحي، لا يجزئ صوم أحد في حياته عن أحد، وهذا كله إجماع لا خلاف فيه».

وقال النووي -رحمه الله تعالى-: «قال القاضي وأصحابنا: وأجمعوا على أنه لا يصلى عنه صلاة فائتة، وعلى أنه لا يصام عن أحد في حياته، وإنما الخلاف في الميت».

واختلف أهل العلم في الصيام عن المسن الحي العاجز عن الصيام والفدية على قولين:

القول الأول: عدم إجزاء الصيام عن المسن العاجز عن الصيام بنفسه وعن الفدية، وعلى هذا اتفقت المذاهب الأربعة.

القول الثاني: يتوجه إجزاء الصوم عنه إذا كان عاجزاً عن الصيام والإطعام، ونقل المرداوي هذا القول عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله تعالى.

قال المرداوي: «قال الشيخ تقي الدين: لو تبرع إنسان بالصوم عمن لا يطيقه لكبر ونحوه، أو عن ميت وهما معسران توجه جوازه».

الأدلـة:

استدل أصحاب القول الأول القائلون بعدم الأجزاء بأدلة من الكتاب, والأثر، والإجماع، والمعقول:

أ- من الكتاب:

قوله سبحانه وتعالى: {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى } .

وجه الاستدلال: أن الله سبحانه وتعالى نفى أن يكون للإنسان سعي غيره، وصيام غير المسن عن المسن ليس من سعيه، فلا يجزئ عنه.

 

ب- من الأثر:

1-    قول ابن عباس رضي الله عنهما: «لا يصلي أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد، ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مداً من حنطة».

2-    ما رواه الإمام مالك في الموطأ أنه بلغه أن عبد الله بن عمر كان يقول: «لا يصوم أحد عن أحد، ولا يصلي أحد عن أحد».

وجه الاستدلال من الأثرين أن ابن عمر وابن عباس -رضي الله عنهم- نهيا أن يصلي أحد عن أحد أو يصوم أحد عن أحد، وهذا عام في المسن وغيره، فلا يجزئ الصوم عن المسن، بل واجبه الفدية.

ج – من الإجماع:

لقد نقل الإجماع على عدم إجزاء الصيام عن الحي، ابن عبد البر والنووي كما سبق ذكره، فيشمل ذلك المسن سواء كان عاجزاً عن الإطعام أم غير عاجز.

د- من المعقول:

1-    أن الصوم عبادة بدنية محضة وجبت بأصل الشرع فلا تصح النيابة فيها عن الحي كالصلاة.

واستدل أصحاب القول الثاني وهو قول شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- لقولـه بأنه يتوجه الإجزاء عنه بأن الصوم عن المسن في هذه الحالة أقرب إلى المماثلة بالصوم الواجب على المسن الذي سقط عنه بالعجز، فيتوجه إجزاؤه.

ويمكن أن يناقش هذا الاستدلال بعدم التسليم بأنه أقرب إلى المماثلة، إذ لو كان كذلك لوجب ابتداء بعجز المسن عن الصوم، ولم يتطلب الأمر تحقق عجزه عن الفدية فلما لم يكن كذلك، دل على أن الإطعام أقرب. ثم إن الصوم وإن كان أقرب إلى المماثلة من الإطعام من حيث الاسم، إلا أنه لا صلة له بعمل من وجب عليه وهو المسن، فالإطعام من عمله هو، أما الصيام من عمل غيره، فلا يظهر صحة القول أنه أقرب إلى المماثلة.

يمكن أن يستدل لهذا القول بالقياس على إجزاء الصيام عن الميت بجامع العجز في كلا الحالين، فالميت كان عليه صوم وعجز عن أدائه بالموت فجاز الصوم نيابة عنه لإسقاط الواجب عنه، فكذلك المسن عاجز عن الصوم وعن بدله وهو الإطعام فجاز الصوم عنه لإسقاط الواجب.

يمكن أن يناقش هذا الاستدلال من وجهين:

الأول: عدم التسليم بالأصل المقيس عليه وهو إجزاء الصيام عن الميت، كما هو رأي كثير من المخالفين.

الثاني: أنه على فرض التسليم بالأصل المقيس عليه فإنه  قياس في مقابل النص والإجماع كما سبق بيانه فلا يصلح.

الترجيح:

ولعل الراجح – والله تعالى أعلم – هو القول بعدم إجزاء الصوم عن المسن الحي ولو عجز عن الصوم والإطعام، لما يلي:

1-    لقوة أدلة هذا القول وسلامتها من المناقشة، فقد استدل أصحابه بأدلة من الكتاب، والأثر الصحيح، والإجماع، والمعقول.

2-    لضعف دليل القول المخالف، وورود المناقشة المؤثرة عليه.

3-    لورود النص في الصيام عن الميت وأما الحي فلم يرد عن الشارع ما يدل على الصيام عنه والصيام بالنيابة عبادة والعبادات توقيفية.

المطلب السابع : إعسار المسن عن دفع الفدية

ما الحكم إذا عجز المسن الذي يجوز له الفطر عن دفع الفدية، هل تسقط عنه أو تبقى في ذمته فإذا أيسر وجب عليه دفعها؟

اختلف أهل العلم القائلون بوجوب الفدية على المسن في هذه المسألة على قولين:

القول الأول: أنها لا تسقط عنه بالعجز، بل تجب في ذمته فإذا أيسر وجب عليه إخراجها، وإلى هذا ذهب الشافعية في قول، والحنابلة على المذهب.

القول الثاني: أنها تسقط عنه بالعجز حال الوجوب، ولا تجب عليه حتى لو أيسر فيما بعد، وهذا ظاهر مذهب الحنفية، وبه قال الشافعية على المذهبوهو قول عند الحنابلة.

الأدلـة:

استدل أصحاب القول الأول بدليلين من المعقول:

1-    أن الفدية الواجبة على المسن بدل عن الصوم الواجب، فكما لا يسقط الصوم بالعجز عنه فيجب القضاء، فكذا لا يسقط بدله ويبقى في ذمته فإذا أيسر وجب عليه إخراجها.

2-    أن الفدية الواجبة في حق المسن كالقضاء الواجب في حق المريض والمسافر، فكما لا يسقط القضاء بالعجز عنه بعد القدرة عليه، فكذا الفدية، بجامع أن كليهما بدل عن صوم واجب.

3-    أن الفدية على المسن في هذه الحالة حق واجب فلا تسقط بالعجز عنه. كما لا تسقط سائر الحقوق الواجبة كفدية الحج والديون.

استدل أصحاب القول الثاني القائلون بسقوطها بأدلة من الكتاب والمعقول:

أ- من الكتاب:

قول الله سبحانه وتعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا … } .

وجه الاستدلال: أن المسن عاجز في هذه الحالة فلا تجب عليه الفدية، لأنه غير مكلف بما لا يستطيع، فإذا سقطت عنه وقت الوجوب فتسقط عنه بعد ذلك.

ويمكن أن يناقش هذا الاستدلال بأنه مسلم به مادام عاجزاً، ولكن لا يسلم به بعد القدرة عليه، لأنه لم يبق عاجزاً؛ فالفدية حق واجب في هذه الحالة.

ب– من المعقول:

1-    أن الفدية في هذه الحالة ليست بدلاً عن الجناية لتبقى في ذمة المسن، بل هي بدل عن صوم عجز عن أدائه فتسقط بالعجز عنها.

2-    أن المسن عاجز عن دفع الفدية حال التكليف فتسقط عنه.

       ويمكن أن يناقش هذا الاستدلال بأن الفدية لا تسقط عنه إذا قدر عليها؛ وذلك لأن وقت التكليف بالنسبة للمسن في هذه الحالة ليست محصورة في وقت دون وقت كسائر التكاليف الشرعية والحقوق الواجبة.

الترجيح:

والراجح -والله تعالى أعلم- – هو القول الأول، وهو أن تبقى الفدية في ذمة المسن حتى يقدر عليها، وإن مات قبل أن يقدر عليها فلا إثم عليه للعذر، لقولـه تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا … } .

ولقوة أدلة هذا القول وورود المناقشة المؤثرة على أدلة القول الثاني.

 

 

 

المصدر :  الملتقى الفقهى 

مشاركة

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لـ المدينة الرقمية لكبار السن في الدول العربية© 2022