يتقارب توجهان كاسحان على نحو مطرد وعلى نطاق عالمي: التقدم التقني وشيخوخة السكان. وتنذر هذه الظاهرة بتغيرات كبيرة في المشهد الاجتماعي الاقتصادي ونماذج الأعمال التجارية الشاملة لعدة قطاعات.
فالشيخوخة جزء لا مفر منه من الحياة، وهي تؤثر على الجميع. ومن الضروري إذن أن نعزز تجربة شيخوخة صحية ونشطة للأجيال الحالية والمقبلة. ومن حسن الحظ أننا نتقدم في السن في عالم رقمي. ولدينا أدوات تساعدنا على العيش لفترة أطول والحفاظ على حياة نشطة وصحية وتقديم مساهمات اجتماعية واقتصادية إلى المجتمع تمكننا من الاستمتاع بحياتنا إلى أقصى حد ممكن.
لقد غيرت التطورات التكنولوجية عالمنا تغييراً جذرياً. إن العمل والتعليم ووقت الفراغ والتواصل الاجتماعي والعديد من الأنشطة الأخرى تتم في الفضاء الرقمي. أليس من الممكن أن نستمر في الوصول إلى كل فوائد هذه التقنية ونحن نتقدم في السن؟ يجب أن نبدأ بالقضاء على المفهوم الخاطئ بأن الأجيال الأكبر سناً لا تستخدم التقنية، حيث أصبح الكثير منهم على دراية بالتكنولوجيا. لتعزيز ثقافة الشيخوخة الصحية التي يتم فيها دمج كبار السن بشكل كامل في الاقتصاد الرقمي، من الأهمية بمكان أن نشجع التقنيات الرقمية التي يسهل الوصول إليها والمهارات الرقمية المصممة لتلبية احتياجات الشيخوخة. وفي تنفيذ إمكانية الوصول هذه، تتسم مشاركة ممثلي المستعملين النهائيين بأهمية حاسمة.
إن تقنيات المعلومات والاتصالات، إذا ما بنيت مع مراعاة متطلبات الوصول الرقمي والتصميم العالمي، يمكن أن تحدث فارقاً أساسياً في إيجاد بيئات ومجتمعات رقمية شاملة وسهلة لجميع الأعمار. وفي حين أن الخدمات الصحية هي أكثر الموارد تطوراً بالنسبة للبالغين الأكبر سناً، فإن العديد من المجالات الأخرى لا تزال متخلفة مثل التسلية والترفيه. وبوسع تكنولوجيات المعلومات والاتصالات أن توفر وصولاً قيماً إلى الخدمات العامة والخاصة عبر الإنترنت لشراء السلع عبر الإنترنت بدلاً من الذهاب إلى المتاجر؛ ودفع الضرائب؛ واستكمال المعاملات المالية بأمان من المنزل؛ وتعلم مهارات جديدة عن طريق منصات التعلّم الإلكتروني. تمكن تطبيقات الصحة والعافية الإلكترونية كبار السن من إدارة صحتهم والحفاظ على استقلالهم. فالتقنية تشكل أهمية متزايدة للاندماج الاجتماعي، الأمر الذي يمكن كبار السن من الحفاظ على اتصال وثيق بالأسرة والأصدقاء والتغلب على العزلة الاجتماعية والوحدة. خلال جائحة كوفيد-19، تم إثبات أن التقنية تقدم فرصاً لا حصر لها للتعلّم والتفاعل من خلال التطبيقات المبتكرة مثل الواقع المعزز والواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي. إن مفتاح النجاح يكمن في تطوير التقنية التي تركز على الإنسان والتي يمكن استخدامها من قبل أكبر عدد ممكن من الناس.
يمكن أن تساعد تقنيات المعلومات والاتصالات التي يمكن الوصول إليها الأشخاص في التغلب على العديد من الحواجز المرتبطة بالعمر في مجالات الرؤية والسمع والبراعة والإدراك. قارئات الشاشة/ المساعدين الافتراضيين لتحويل النص إلى صوت وتحويل الصوت إلى نص هي أمثلة على هذه الميزات. نستخدم جميعاً أدوات إمكانية الوصول المختلفة، بما في ذلك الرسائل الصوتية أو تحويل النص إلى كلام أو تعليقات الفيديو، وكلها تستند إلى التقنية الذكية. مع اكتساح المزيد من التحول الرقمي للعالم في أعقاب جائحة كوفيد-19، بات من المهم أكثر من أي وقت مضى أن تكون الفرص التي تتيحها تقنيات المعلومات والاتصالات متاحة بالتساوي وبإنصاف وبأسعار معقولة ويمكن لجميع الأشخاص الوصول إليها بغض النظر عن أعمارهم أو جنسهم أو موقعهم أو قدرتهم. فضلاً عن ذلك فإن المهارات اللازمة لاستخدام التقنية تشكل ضرورة أساسية لتمكين كل المستخدمين النهائيين من الاندماج في العالم الرقمي وضمان اندماج الجميع ومشاركتهم في المجتمعات والاقتصادات الرقمية.
عندما يتم تصميمها في تنسيقات يسهل الوصول إليها مع وضع التصميم العام في الاعتبار، يمكن أن تساعد تكنولوجيات المعلومات والاتصالات في إنشاء بيئات شاملة وصديقة للمسنين تعزز الحياة الصحية لكبار السن في الحاضر والمستقبل.
وهناك العديد من التحديات التي تواجه ضمان تمكين التكنولوجيات حقاً لكبار السن الذين يرغبون في الاتصال، وتوفير حلول بديلة لأولئك الذين يريدون البقاء خارج الإنترنت أو الذين لا يملكون خياراً. نأمل أن تؤدي حوافز كثيرة إلى إحداث تغيير سريع. طبقاً للتقديرات فإن “الاقتصاد الفضي” يبلغ 15 تريليون دولار، وتبلغ قيمة السوق العالمية لتقنية الرعاية لكبار السن أكثر من 13 مليار دولار. ويدرك القطاعان العام والخاص أن الشيخوخة السكانية تمثل فرصة جذابة، وخاصة بالنسبة لصناعة التقنية والخدمات الرقمية.
وتشير تقديرات منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي (OECD) إلى أن إيجاد قوى عاملة متعددة الأجيال ومنح العمال الأكبر سناً فرصاً أكبر للعمل يمكن أن يزيد من نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 19 في المئة على مدى العقود الثلاثة المقبلة. ولذلك، يجب على جميع أصحاب المصلحة الاستفادة من الفرص التي تتيحها الثورة الرقمية للسكان في مرحلة الشيخوخة.
كيف يمكن للاتحاد الدولي للاتصالات السلكية واللاسلكية (ITU) ومنظومة الأمم المتحدة دعم هذه الأهداف؟
زيادة الوعي
لقد أدرج الاتحاد الدولي للاتصالات السلكية واللاسلكية في مؤتمر القمة العالمي المعني بمجتمع المعلومات (WSIS) المسار الخاص لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وكبار السن، الذي جرى في الفترة من 2 إلى 6 أيار/ مايو 2022 وحضره ما يزيد على 550 مشارك من جميع أنحاء العالم. وهذا العام، كان موضوع اليوم العالمي للاتصالات السلكية واللاسلكية ومجتمع المعلومات (17 أيار/ مايو 2022) هو “التكنولوجيات الرقمية لكبار السن والتمتع بصحة جيدة في مرحلة الشيخوخة”.
استخدام المنصات للتعاون والمناصرة والاستفادة من الجهود وإظهار طريق المضي قدماً
نتيجة للجهود المشتركة التي بذلت في إطار عقد الأمم المتحدة للشيخوخة الصحية 2021-2030، فقد زدنا الأثر من خلال وضع سياسات مواضيعية وموجزات للمناصرة مثل “العزلة الاجتماعية والوحدة بين كبار السن”، تم نشرها بالاشتراك مع منظمة الصحة العالمية وإدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة. وقمنا أيضاً بقيادة حوارات مؤثرة شاملة لعدة قطاعات مع القادة والخبراء لتبادل المعرفة والتحديات والحلول والطرق. على سبيل المثال، خلال منتدى القمة العالمية لمجتمع المعلومات (WSIS) لعام 2022 من خلال الحوار الرفيع المستوى بين أصحاب المصالح المتعددين.
تقديم مبادئ توجيهية وتعزيز القدرات
تعالج مسألة الشيخوخة في عالم رقمي في إطار عمل الشمول الرقمي الذي يضطلع به قطاع تطوير الاتصالات السلكية واللاسلكية التابع للاتحاد الدولي للاتصالات السلكية واللاسلكية. ويشمل عملنا زيادة الوعي ووضع المبادئ التوجيهية بشأن السياسات والاستراتيجيات وتقاسم الممارسات الجيدة وتعزيز قدرة البلدان الأعضاء وأصحاب المصلحة في الاتحاد الدولي للاتصالات على تحويل هذا التحدي إلى فرصة عظيمة. وقد تم تطوير اثنين من الموارد الأساسية لدعم هذا الجهد العالمي: التقرير عن الشيخوخة في عالم رقمي ــ من ضعيفة إلى قيّمة والتدريب الذاتي عبر الإنترنت “تقنية المعلومات والاتصالات من أجل تحسين الشيخوخة وسبل العيش في المشهد الرقمي”، والمتوفر باللغات الإنكليزية، والفرنسية، والإسبانية. يتم توفير هذه الموارد مجاناً وبتنسيقات يمكن الوصول إليها رقمياً. إن شراكة الأمم المتحدة في سلسلة المائدة المستديرة الافتراضية المقبلة “تعميم المعارف المتعلقة بالشيخوخة: دعم المسارات نحو تعزيز الحماية والمشاركة” هي مثال آخر على الكيفية التي يمكن بها للأمم المتحدة أن تقود هذا الجهد العالمي.
الشيخوخة هي امتياز، والشيخوخة في عالم رقمي تشكل فرصة. إن عمل الجميع قد يحدث فارقاً ولكن من خلال العمل الجماعي فقط يصبح بوسعنا أن نخلق التغيير ونتمكن من الحصول على حياة نشطة وصحية وسعيدة لكبار السن اليوم وغداً.
وقائع الأمم المتحدة ليست سجلاً رسمياً. إنها تتشرف باستضافة كبار مسؤولي الأمم المتحدة وكذلك المساهمين البارزين من خارج منظومة الأمم المتحدة الذين لا تعبر آراءهم بالضرورة عن آراء الأمم المتحدة. وبالمثل، الحدود والأسماء المعروضة والتسميات المستخدمة في الخرائط أو المقالات، لا تعني بالضرورة موافقة أو قبول من قِبل الأمم المتحدة.
المصدر:………https://www.un.org/ar/178478